بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

فن الشعر في سلطنة عُمان: مرافئ الحلم وهوية الانتماء

الدكتور محمد السيد يوسف لاشين
أستاذ علم النقد الاجتماعي والتفكير الناقد

 

تظلّ سلطنة عُمان واحدة من المرافئ الأصيلة في بحر الشعر العربي، حيث يلتقي فيها عمق التاريخ برهافة الحسّ، وتستيقظ على ضفافها القصيدة كأنها تخرج من صمت الجبال، أو من همس الموج على سواحل مسقط وصور وصحار وظفار. إن للشعر في عُمان نكهة خاصة، لا تنفصل عن روح المكان ولا عن ذاكرة الإنسان العُماني الممتدة عبر قرون من التواصل الحضاري والروحي.

نشأ الشعر العُماني في بيئة خصبة بالأسطورة والرحلة، ففي عمان تقاطعت طرق التجارة والبحر والبادية، وامتزجت الثقافات، فصارت القصيدة مرآة لهذا التعدد. ولعل ما يميّز الشعر العُماني – قديمه وحديثه – هو ارتباطه الوثيق بالهوية والانتماء؛ إذ يظل الشاعر العُماني يحاور الأرض والإنسان والبحر، ويجعل من قصيدته سجلًا وجدانيًا للتجربة العُمانية.

وقد احتفظ الشعر العُماني بجذوره الكلاسيكية عبر العصور، وبرز في القرون الماضية شعراء كالإمام السالمي وأبي مسلم البهلاني (1860-1920)، المعروف بلقب “النبهاني”، الذي اتخذ من القصيدة سلاحًا في مقاومة الاستعمار وبناء النهضة الروحية.قصائده لم تكن مجرد بوح وجداني، بل كانت تُسهم في صياغة وعي الأمة.وكيف لا وهو القائل
سبق الارادة سلم المرتاد
فارتدْ لعلك سابق الرواد
نادتك ألسنة الحقيقة فالتفت
نحو النداء ونحو ذاك النادي
ارحل طليحك للنفير فربما
سبق الطليح وكل ظهر القادي

أما في العصر الحديث، فقد برزت أسماء مثل سيف الرحبي، أحد أبرز شعراء الحداثة في الخليج العربي، حيث جاءت قصائده مشبعة بالتأملات الوجودية وبالحسّ الفلسفي الذي يستمدّ من الطبيعة العُمانية وإذا كان الشعر الفصيح قد رسم ملامح الهوية الأدبية العُمانية، فإن الشعر الشعبي (كفن الميدان، والرزحة، والهمبل) قد جسّد حياة الناس اليومية، وأصبح طقسًا من طقوس الأفراح والمناسبات. في فن الميدان مثلًا، نجد تبادل الأبيات بين الشعراء في قالب حواري حيّ، حيث تتجسد الحكمة والفكاهة والاعتزاز بالقبيلة والأرض. ومن شعر الهمبل
حنا بروج المخايـــــل ~~ والرعـــــود الجويـــــة
تشـهـد لنــا القبايـــــــل ~~ يـــوم حــل اللجيـــــــة

إن ما يميز الشعر في عمان – مقارنة بغيره من أقطار العالم العربي – هو ذلك التوازن بين الأصالة والحداثة، وبين الفصيح والشعبي. فهو شعر ينهل من الإرث العُماني البحري والجبلي والصحراوي، لكنه لا ينغلق على نفسه، بل يتنفس برئة عربية وإنسانية واسعة.

يضاف إلى ذلك حضور النَفَس الصوفي والروح التأملية في كثير من التجارب الشعرية العُمانية، مما يمنح القصيدة عمقًا روحيًا لا يخلو من الحنين والوجد، ويجعلها مختلفة عن القصيدة الخليجية ذات النزعة الغنائية البحتة، أو القصيدة المغربية ذات الانفتاح الفرانكفوني مثلاً.

يبقى الشعر في سلطنة عمان شاهدًا على انتماء الإنسان لأرضه، وعلى حبّه الذي يتجدد في صيغ مختلفة: حبّ الأرض، حبّ البحر، حبّ الحرية، وحبّ الإنسان لأخيه الإنسان. وهو فنّ يجمع بين قوة البيان ورهافة البوح، بين جذرية التراث وحداثة السؤال. ومن هنا فإن الشعر العُماني ليس مجرد صوت محلي، بل هو جزء من السيمفونية الكبرى للشعر العربي، مع نغمة خاصة لا تخطئها الأذن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى