
حين تتهاوى الرموز .. طارق السويدان شاهداً..
الدكتور خالد بن عبدالرحيم الزدجالي
يتجدد الجدل كلما طُرح اسم الدكتور طارق السويدان، إذ تتداخل صورته بين المآخذ الأمنية والسياسية من جهة، ومكانته التربوية والإعلامية من جهة أخرى. هذا التناقض جعله رمزًا حاضرًا في السجال العام، سواء أكان مثار نقد أم مصدر إلهام.
المآخذ الأمنية والسياسية..
واجه السويدان سلسلة من الإجراءات والانتقادات عبر مسيرته. فقد منعته السعودية عام 2013 من دخول أراضيها على خلفية موقفه الرافض للانقلاب في مصر، ثم منعت كتبه لاحقًا، وفي 2014، حظرت بلجيكا دخوله بدعوى تصريحات اعتُبرت معادية للسامية، بينما أدرج اسمه في الولايات المتحدة على قوائم متصلة بتمويل حركة “حماس”؛ ما تسبب بمنعه من دخولها.
كما أثارت تصريحاته الحادة تجاه إسرائيل، مثل دعوته إلى “الجهاد الإلكتروني” ووصفه لها بالعدو المنحرف، موجات من الجدل، واعتُبرت تحريضية لدى البعض، وزاد من حدة الجدل انتماؤه المعلن لجماعة الإخوان المسلمين؛ ما أدى إلى فصله من قناة “الرسالة” عام 2013، بعد أن وصفه الوليد بن طلال بـ”صاحب ميول متطرفة”، وأخيرًا، بقي حضوره على وسائل التواصل مثيرًا للانتقاد، كما حدث في أكتوبر 2023 عند نشره تدوينة عن مواقف بعض الدول من حرب غزة.
المساهمات الفكرية والإعلامية..
إلى جانب تلك المآخذ؛ يبرز وجه آخر للسويدان ترك أثرًا عميقًا في الوعي العربي من خلال برامجه مثل قصص الأنبياء وقصة النهاية؛ قدّم مادة تربوية صاغت علاقة أجيال بالنص القرآني والتاريخ الإسلامي بأسلوب يجمع بين السرد المشوّق والتحليل العملي.
كما ألّف أكثر من ستين كتابًا، بينها إدارة الوقت، وصناعة القادة، وكيف تكتب خطة استراتيجية؟؛ ما جعله من أبرز من أدخل مفاهيم الإدارة الحديثة والتنمية البشرية إلى الساحة العربية.
وعلى مستوى الإعلام؛ ارتبط اسمه بقناة “الرسالة” التي أسسها وأدارها فترةً؛ مقدّمًا نموذجًا لقناة تجمع بين الشبابي والدعوي والفكري.
وإلى ذلك؛ نشط في مؤتمرات ومحاضرات دولية، وشارك في مشاريع إنسانية وتعليمية، مسعىً منه لربط الخطاب الدعوي بالعمل المؤسسي والنهضة الحضارية.
صـورة مركـبـة..
بين هذه المآخذ وتلك المساهمات؛ تتجلى شخصية مركبة؛ فهي مثيرة للجدل سياسيًا؛ لكنها في الوقت نفسه مصدر إلهام ومعرفة.
ولعل هذا التناقض يعكس طبيعة الرموز في زمننا : لا يسلم أي اسم من النقد، ولا يخلو أي أثر من قيمة؛ السويدان شاهد على هذه المفارقة؛ متهم في عين، ومعلّم في عين أخرى.
ومع كل ما يحيط باسمه من جدل؛ يبقى السؤال : كم من الرموز سنفقد بعد أن خسرنا الكثير من أهل الفن والفكر والمعرفة ؟!. وهل ستبقى الأصوات الحرة قادرة على الصمود في عصر اختلّت فيه الموازين، وبِيع فيه الموقف الشريف على موائد الصهاينة ؟!.
الخوف أن نصحو يومًا فلا نجد من يذكّرنا بأن الحرية كانت ممكنة، وأن الكلمة الصادقة كانت تُقال دون وجل.