
هل خذلت القمة القضية أم عبّرت عن واقع الأمة ؟!..
الدكتور/ خالد بن عبدالرحيم الزدجالي
جـذور الأزمـدة..
منذ عام 2011، حين طلبت إسرائيل من إدارة أوباما البحث عن دولة تستضيف جماعات مثل حماس والإخوان المسلمين بعيدًا عن دول الطوق، بدأ مسار جديد في توازنات المنطقة. الهدف كان إخراج هذه القوى من محيطها المباشر وإعادة توزيعها جغرافيًا بما يضمن أمن الكيان. وجدت قطر نفسها أمام ضغوط إقليمية هائلة، فقبلت العرض مقابل ضمانات أمريكية : قاعدة عسكرية، وحماية مباشرة، وموقع تفاوضي في التسويات القادمة.
لكن وصول ترامب قلب الطاولة عام 2017 في الأزمة الخليجية، ليكشف هشاشة المظلة الأمريكية. واليوم، وبعد العدوان على الدوحة، تتجدد الذكريات: الحماية الخارجية ليست ضمانة مطلقة، وعلى الخليج والعرب تحديد خياراتهم بأنفسهم.
نتنياهو والحرب العـقدية..
لا يخفي نتنياهو رغبته في إشعال المنطقة، مستخدمًا لغة توراتية صريحة : “سأطارد أعدائي وأبيدهم”. الحرب عنده ليست فقط سياسية، بل وجودية. وهو يعلم أن إشعال أي جبهة قد يمنحه مكاسب انتخابية، حتى من دون نصر استراتيجي، ما دام يربك المنطقة ويصفّي قيادات الصف الأول في المقاومة.
وتتسق هذه اللغة مع إعلاناته المتكررة عن خريطة إسرائيل التوسعية التي شملت أراضي من مصر والسعودية وسوريا والعراق والكويت والأردن ولبنان، في إشارة خطيرة على أن أطماعه تتجاوز فلسطين إلى إعادة رسم خرائط الإقليم بأكمله.
الحرب الفكرية قبل العسكرية..
الصراع لا يتوقف عند السلاح، بل يمتد إلى العقول. فالكثير من الأنظمة العربية، تحت ضغط خارجي، حذفت آيات الجهاد من المناهج، وروّجت عبر الإعلام لشيطنة المقاومة، محاولة إنتاج جيل منزوع الهوية، يرى الاحتلال واقعًا طبيعيًا لا عدوًا. هنا تتضح خطورة التحدي: معركة الوعي هي الوجه الأخطر للصراع، لأنها تزرع الهزيمة قبل وقوعها.
خريطـة المـواقـف..
انقسمت الدول العربية والإسلامية في القمة إلى معسكرات :
– دول التطبيع النشط : الإمارات، البحرين، المغرب، الأردن، ومصر، وهي تمارس ضغوطًا أمريكية وإسرائيلية على بقية الأطراف. ومع ذلك بدت مصر هذه المرة أقرب إلى موقف قطر من أن تكون في صف المطبعين.
– التطبيع المجمَّد : السودان، الذي وقّع اتفاقيات أبراهام عام 2021، لكن التطبيع تعطل بسبب الرفض الشعبي والانقسامات السياسية.
– دول المقاومة الصلبة : الجزائر، إيران، وباكستان، وهي مستعدة لرد دبلوماسي وربما عسكري، لكنها تبقى معزولة بسبب تخوف دول أخرى من الالتحاق بها، بحجة أن عداوة الغرب كبّدتها خسائر اقتصادية وجعلتها أمثلة “سلبية” في النمو.
– دول التوازن : عُمان، الكويت، وتونس، التي تحاول الموازنة دون انخراط كامل في أي من المحاور.
عُمان تحديدًا، ورغم اتهامات المحللين بعلاقات سرية مع الكيان، إلا أن موقفها الشعبي والديني والرسمي واضح، بدءًا من خطب الجمعة وصولًا لموقف المفتي العام، فضلًا عن تهديدات إسرائيلية متكررة لمسقط، ما يدل على أنها لم ولن ترضخ للتطبيع.
– تركيا ونيجيريا وبعض دول إفريقيا : حاولت الموازنة، بينما أذربيجان وكازاخستان اقتربتا أكثر من الموقف الإسرائيلي.
قوى المقاومة الشعبية : كاليمن (أنصار الله)، حماس، وحزب الله، التي تتحرك بقرارات مستقلة أقرب إلى الفعل المباشر منها إلى دبلوماسية الدول.
الـخـلاصـة..
الانقسام هو السمة الغالبة، ما يفسر محدودية مخرجات القمة.
بين التـوقّـع والنتيـجة..
القمة الإسلامية في الدوحة انتهت ببيان كان متوقعًا : شجب، إدانة، عتاب، وتلويح بحل الدولتين!!.
لا قطع للعلاقات، لا مقاطعة اقتصادية، ولا تحرك نحو الفصل السابع في مجلس الأمن.
بعض الدول خفّضت تمثيلها أو تغيبت.
المشهد أوضح أن الإرادة الجماعية لم تتجاوز حدود الكلام.
حتى قطر، رغم رغبتها في موقف أكثر صلابة، وجدت نفسها مضطرة للاصطفاف مع المعسكر الوسطي بسبب ضغوط الجيران والدور الأمريكي، فضلًا عن ضغط الدول المطبِّعة.
بين الطموح الشعبي وواقع القواعد الأمريكية..
المزاج الشعبي العربي كان أوضح : لا يريد تهدئة، بل قرارات حاسمة تعيد الاعتبار لفكرة السيادة.
الناس لم تعد تثق بالبيانات، بل تطالب بمواقف عملية هنا يظهر السؤال المؤلم :
فممن تحمينا هذه القواعد إذا كان العدو نفسه يتطاول ويهاجم بدعم منها ؟!
سؤال محيّر، وإجابته ليست عند الشعوب بالتأكيد.
الـخـاتـمـة..
نحن أمام مفترق طرق : إما أن تبقى القمم مظاهر استرضاء، أو أن تتحول إلى نقطة تحول تفرض تكلفة على الاحتلال.
حتى الآن، النتيجة تميل إلى الاحتمال الأول.
القمة لم تجرؤ على أكثر من العبارات، وهذا يعكس واقع الأمة : منقسمة، مضغوطة خارجيًا، وعاجزة عن إنتاج موقف بحجم التحدي.
ومع ذلك، يبقى الأمل أن تتحول التضحيات الشعبية والقوى المقاومة المستقلة إلى رافعة تذكّر الدول أن التاريخ لا يرحم المترددين، وأن الكرامة لا تُستعاد بالخطب بل بالفعل.
وها هي القمة قد انتهت، بينما إسرائيل مستمرة في تطهير غزة من شعبها وتدميرها بلا هوادة. ومن هنا يظل السؤال قائمًا :
هل خذلت القمة القضية أم عبّرت عن واقع الأمة ؟!!،