بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

النظام‬⁩ الدولي لا يُدار بالنوايا .. بل بموازين القوى..

الدكتور عدنان بن أحمد الأنصاري

محلل سياسي ، ودبلوماسي ، وسفير سابق

يبنى الاستقرار‬⁩ الإقليمي عندما تكفّ المغامرة عن أن تكون رخيصة.

‏⁧‫إذا‬⁩ كان القرن العشرون زمان «المظلّات» الأحادية، فإنّ العقد القادم يبدو زمان الردع المركّب : خليجيّ المنشأ، آسيويّ الامتداد، ومتعدّد الشركاء.

الاتفاق السعودي – الباكستاني ليس بيان مجاملة، بل معادلة تشغيلية ستقاس بنتائجها :
‏⁧‫صلابة‬⁩ البنى الحرجة، انخفاض شهية المغامرة لدى الخصوم، وارتفاع كلفة الإخلال بالقواعد.
‏الاستراتيجية الجيدة هي التي تُحسِن إنهاء الأزمات قبل اندلاعها بالقدرة، لا بالوعود، وبالتحالفات المرنة، لا بالاصطفاف الأعمى؛ وبالردع الذكي، لا بالتصعيد غير المحسوب.

‏⁧‫الاستقرار‬⁩ ليس حالة طبيعية، بل نتيجة هندسة مستمرة لمعادلات الردع والمصالح.
‏توقيع اتفاق الدفاع المتبادل السعودي – الباكستاني منتصف سبتمبر 2025 وضع لبنة جديدة في هندسة الردع الإقليمي، خصوصًا بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة وما خلّفته من اهتزاز في ثقة الخليج بـ«المظلّة» التقليدية.

‏ ⁧جوهر‬⁩ الاتفاق أنّ الاعتداء على أحد الطرفين يُعدّ اعتداءً على الطرفين – صياغةٌ تشبه التزامات دفاع جماعي من طراز «المادة الخامسة» – وتؤشّر لانتقال الخليج إلى مرحلة الردع المركّب :
‏مزجٌ بين تكامل خليجي داخلي وتحالفات عابرة للإقليم مع قوة نووية ذات خبرة عسكرية وصناعات سلاح واسعة.

‏أولًا : البُعدُ الرّدعي في الاتفاق من «التطمين» إلى «القدرة»..

‏1.⁧‫ ردعٌ‬⁩ بالتكافؤ الإشاري :(Signaling) : إدخال قوة نووية في معادلة دفاع متبادل يخلق «ظلًا ردعيًا» يرفع كلفة أيّ مغامرة على خصوم الرياض، ولو بقي الملف النووي ضمن غموض بنّاء.

‏هذا الظلّ هو في حدّ ذاته رسالة تُعيد حسابات إسرائيل وإيران، وتؤسس لتوازن نفسي – عملياتي جديد في الخليج.

‏2.⁧‫ ردعٌ‬⁩ بالقدرات التقليدية واللوجستية :
‏⁧‫الاتفاق‬⁩ يفتح الباب لتكثيف التدريب المشترك، توسيع الإنتاج الدفاعي، وربما تعزيز وجود عناصر باكستانية في المملكة ضمن أطر نظامية — أي انتقال من «شراء أمن» إلى مؤسسة أمنٍ مُصنَّع محليًا ومسنودٍ بخبرة عملياتية.

‏3. ردعٌ سياسي – اقتصادي :
ربط‬⁩ الثقل المالي – الاستثماري السعودي بخبرة عسكرية باكستانية نووية – تقليدية يخلق حزمة ردع متعدّدة الأبعاد :
تمويل‬⁩، تسليح، تدريب، تصنيع، ورسائل استراتيجية متزامنة.
‏الاختبار الحقيقي للسياسة ليس كيف تبدأ، بل كيف تنتهي؛ أي بخلق وضع نهائي يُثبّت الردع لا أن يراكم وعودًا.

‏«الاستقرار ليس حتميًّا»؛
‏يُصنَع عندما تُوازن القوى نفسها بأنماط قابلة للاستمرار.

‏ثانيا : كيف ستقرأه العواصم الرئيسية؟..

‏1) واشنطن..
‏• قراءة مزدوجة :
‏من جهة؛ ترى واشنطن في الاتفاق تأكيدًا لسباق «التأمين الذاتي» نتيجة شكوك الحلفاء بعد أحداث الدوحة؛ ومن جهة أخرى؛ يمكن استثماره كرافعة لتوزيع أعباء الأمن مع إبقاء المملكة ضمن شبكة الشراكات الأمريكية (مبيعات، تدريب، ربط قيادي – اتصالي).
‏• المعادلة الأمريكية الواقعية :
‏قبول الشريك المتعدّد (Riyadh–Islamabad–بكين) ما دام لا يُقصي واشنطن من سلاسل التزوّد والتشغيل والقيادة والتحكّم.

‏2) إسرائيل..
‏• رسالة «⁧‫رفع‬⁩ الكلفة» : إدخال باكستان – بما تمثّله رمزيًا وقدراتيًا – في مظلّة دفاع مع السعودية يكبّل هامش المبادأة الإسرائيلية خارج ساحات الصراع التقليدية، ويجعل أيّ حساب خاطيء ضد أهدافٍ خليجية أشدّ تعقيدًا، حتى لو ظلت القدرات النووية خارج النصّ.
‏• ردّ متوقّع : تكثيف العمل مع واشنطن والهند، ومحاولة إعادة قنوات خلفية مع الخليج لضبط التصعيد وتنسيق «قواعد الاشتباك» بعد سابقة الدوحة.

‏3) الهند..
‏• قلق محسوب + احتواء استباقي : نيودلهي ستقرأ الاتفاق كـ«تحصين» سعودي بشريك خصمٍ تقليديٍ للهند، لكنّها ستسعى لاستبقاء شراكتها المتنامية مع الرياض (طاقة، استثمار، دفاع)، وقد بدأت الإشارات العلنية بالفعل إلى «الشراكة الواسعة» التي تربطها بالسعودية.
الهـدف : امتصاص الأثر دون دفع الرياض نحو اصطفاف ضد الهند.

‏4) مجلس التعاون الخليجي..
‏• تعزيز «الأمن المركّب» : دول المجلس سترى في الاتفاق رافعة ردعية تُكمّل التكامل الدفاعي الخليجي، مع إمكان الاستفادة من الخبرات الباكستانية في التدريب والحماية الحرجة (الطاقة، الممرات البحرية).
‏• مفعول الدوحة : سابقة الضربة في قطر سرّعت تحولًا ذهنيًا خليجيًا من الاطمئنان الافتراضي إلى التأمين المتعدّد للمخاطر.

‏ثالثا : الرسائل الضمنية والمباشرة..

‏•إلى واشنطن :
«نحتاجك؛ لكننا لن ننتظرُك وحدك» توزيع محاور الردع، وتوسيع قاعدة الشركاء دون قطع الجسور مع الولايات المتحدة.

‏• إلى إسرائيل :
«قواعد اللعبة تغيّرت» أيّ مغامرة خارج مسارحها التقليدية ستواجه مصفوفة ردع أوسع تتجاوز دولةً واحدة.

‏•إلى الهند : «الرياض شريكٌ لكم ولإسلام آباد».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى