
رسائل الصباح والمساء بين المودة والإزعاج.. قراءة بروتوكولية في سلوك التواصل
الكاتب أ. عصام بن محمود الرئيسي
مدرب في البرتوكول المؤسسي – مؤلف أعمال متخصصة في المراسم
في صباح كل يوم، يستيقظ كثيرون على نغمة إشعارات هواتفهم المحمولة، ليجدوا أمامهم سيلًا من الرسائل الصباحية في مجموعات “واتساب”، بعضها يحمل عبارات جميلة عن التفاؤل والنجاح، وأخرى مليئة بالأدعية والصور المتكررة. ورغم أن النية في معظم الأحيان طيبة وصادقة، فإن أثر هذه الرسائل لا يُستقبل بنفس الدرجة عند الجميع؛ فالبعض يراها تعبيرًا عن تواصل اجتماعي جميل، بينما ينزعج آخرون منها حين تتكرر بشكل مبالغ فيه أو تصل في أوقات غير مناسبة.
من هنا تبرز الحاجة إلى النظر في هذه الظاهرة من زاويتين: الأولى إنسانية وشخصية، والثانية بروتوكولية وسلوكية، بحيث نوازن بين إظهار المودة وبين احترام خصوصية الآخرين.
من زاويتي الخاصة، أرى أن الرسالة الصباحية والمسائية البسيطة قد تكون في بعض الأحيان كالابتسامة التي تُهديها لمن حولنا؛ خفيفة في ظاهرها لكنها تبعث طاقة إيجابية للطرف الآخر. غير أن جمال هذه المبادرة يتوقف على عدة اعتبارات. فحين تكون الرسائل قصيرة، عفوية، وموجهة بصدق لشخص بعينه، فإن أثرها يكون كبيرًا ووقعها لطيفًا. أما حين تتحول إلى “نسخ ولصق” جماعي، أو تُمطر المجموعات بعشرات الرسائل المتشابهة، فإنها تفقد روحها وتتحول من رسالة مودة إلى عبء ثقيل.
وهنا يتضح أن مكمن المشكلة ليست في مضمون الرسالة وحدها، بل في طريقة الإرسال وتكراره فحتى أعذب العبارات إذا تكررت بشكل مبالغ فيه أو وصلت في وقت غير ملائم قد تُثير الضيق بدلاً من البهجة.
كيف نُرسل رسائلنا دون أن نُزعج الآخرين؟
من منظور البروتوكول والإتيكيت، ثمة قواعد دقيقة يمكن أن تجعل هذه الرسائل أداة للتواصل الراقي بدلاً من أن تتحول إلى إزعاج فالبروتوكول والإتيكيت يعلّماننا أن الكلمة الطيبة ليست فقط في مضمونها، بل في أسلوب تقديمها وهذه القواعد غاية في البساطة الا انها تجعل رسائلنا الصباحية أكثر قبولًا:
· التوقيت المناسب
القاعدة الذهبية الأولى هي احترام وقت الآخرين. ليس من اللياقة إرسال رسائل قبل السابعة صباحًا أو بعد العاشرة مساءً، إلا إذا كان الطرف الآخر صديقًا مقرّبًا وتعلم أن الأمر مقبول لديه.
· الاعتدال في التكرار
بروتوكول الرسائل يقتضي أن تكون الرسائل الصباحية ذات طابع متوازن. رسالة واحدة أو اثنتان تكفي في الأسبوع لإبقاء التواصل حيًا، أما المبالغة اليومية أو إرسال عشرات الصور والملفات فتُثقل كاهل المستقبل.
· اختيار المحتوى بعناية
الرسالة التي تحمل قيمة، سواء كانت فكرة إيجابية أو حكمة أو دعاءً قصيرًا، تكون أرقى بكثير من صور متكررة أو عبارات طويلة منسوخة. البساطة هنا تعكس ذوقًا راقيًا واحترامًا لوقت القارئ.
· التمييز بين الخاص والعام
ما يُرسل لمجموعة يختلف عمّا يُرسل لشخص بعينه. ففي المجموعات، يفضَّل الاكتفاء برسائل عامة خفيفة لا تتجاوز مرة في الأسبوع، بينما في الرسائل الخاصة يمكن أن يكون التعبير أكثر حميمية وانتقائية.
· الانتباه للتنوع الثقافي
في مجموعات العمل أو المجموعات التي تضم أعمارًا وخلفيات مختلفة، قد لا يكون الجميع على نفس الموجة في استقبال الأدعية أو الحكم أو النكات. لذا من الذوق أن نراعي اختلاف التفضيلات ونختار ما يتناسب مع الأغلبية دون فرض ذوقنا الخاص.
· إمكانية الاكتفاء بالصمت
أحيانًا يكون أجمل بروتوكول هو الصمت. فليس من الضروري أن نُرسل رسالة يومية لنُثبت حضورنا، فالتقدير المتبادل يمكن أن يظهر في مواقف أعمق من مجرد رسالة صباحية.
الرقي في السلوك الرقمي
كما نعلم أن إتيكيت الحديث لا يقتصر على المائدة أو اللقاءات الاجتماعية، بل يمتد إلى فضاء التكنولوجيا والتواصل الافتراضي. فكما أن إزعاج الآخرين في جلسة مباشرة يُعد خرقًا للبروتوكول، فإن الإكثار من الرسائل العشوائية يُعد خرقًا لإتيكيت التواصل الرقمي، الرقي في التعامل يعني أن نضع أنفسنا مكان الآخر قبل أن نضغط زر “إرسال”. هل الرسالة ستمنحه لحظة ابتسامة؟ أم ستثقل هاتفه وتُشتت تركيزه؟ هذا السؤال وحده كفيل بأن يجعلنا نُعيد النظر ونوازن في تواصلنا.
وأخيرا فإن الرسائل الصباحية والمسائية تحمل في جوهرها نية طيبة ورغبة في نشر المودة، لكن هذه النية يجب أن تُترجم إلى سلوك متزن يراعي مشاعر الآخرين وخصوصيتهم، فالإتيكيت لا يمنعنا من التعبير، بل يعلّمنا كيف نُعبّر بأجمل صورة.
وحين نُحسن استخدام هذه الوسيلة البسيطة، فإنها تتحول إلى جسر من المحبة والمودة بدلاً من أن تكون عبئًا يوميًا. فالتواصل الحقيقي ليس بكثرة الكلمات، بل بحسن اختيارها، وبتوقيت إرسالها، وبوعي يُدرك أن المودة لا تُقاس بالكم، بل بالذوق والاحترام.
وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي…