بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

فـجـر قـريـب..

أحمد الفقيه العجيلي

 

في المشهد العربي الراهن، تبدو المعادلة مختلة على نحو واضح: حكومات مترددة تتحرك بإشارات خارجية أكثر مما تتحرك بإرادتها الذاتية، وشعوب مثقلة بأعباء المعيشة، تستهلك جهدها في تفاصيل يومية تافهة أو في مواجهة أزمات اقتصادية خانقة.

وسط هذا الواقع، يجد الخصم متسعًا للتمدد، ويعزز حضوره ونفوذه بلا مقاومة حقيقية.
لكن التاريخ يشير إلى أن حالات الانكسار كثيرًا ما تسبق التحولات الكبرى. فما من قوة احتلال أو هيمنة استمرت إلى ما لا نهاية، وما من شعب بقي في دائرة الضعف إلى الأبد.

المسألة ترتبط بقدرة الأمة على إعداد جيل مختلف، جيل واعٍ وصلب يتجاوز دائرة الشعارات، ويخوض عملية بناء ذاتي وفكري ومهاري، كما فعلت بعض حركات المقاومة التي صاغت شبابها بعيدًا عن أضواء الإعلام وفي ظروف حصار خانقة.

اليوم، يمكن ملاحظة بوادر هذا الإعداد : مبادرات شبابية، جهود تطوعية، وتنامٍ في الوعي رغم ضجيج الواقع. المطلوب أن يركز الشباب المخلصون على تطوير أنفسهم معرفيًا ومهنيًا وأخلاقيًا، بعيدًا عن الاستنزاف في معارك جانبية أو استهلاك عقيم. فالمعركة المقبلة ليست بالضرورة معركة جيوش تقليدية، بل معركة صبر طويل، وتنظيم، وقدرة على استثمار الموارد المحدودة بفعالية.

صحيح أن مشهد القوة يميل ظاهريًا إلى الخصم، لكن الوقائع الميدانية أثبتت أن جيوشًا منظمة انهارت سريعًا، بينما صمدت مجموعات صغيرة محاصَرة لسنوات في وجه آلة عسكرية عالمية. هذا التباين يعكس أن المعادلة لا تُحسم بالسلاح وحده، بل أيضًا بالإرادة والإعداد النوعي.

إن صورة البركان تساعدنا على فهم اللحظة: قد يطول غليانه تحت الأرض، لكنه حين يجد شقًا ضعيفًا يندفع منه بقوة مدمرة. وفي واقعنا، هناك شقوق متعددة قابلة للانفجار : تراكم المظالم، نزيف الدماء في غزة، الانحدار الأخلاقي، والاستعلاء الصهيوني ـ الأمريكي. كلها عوامل تضغط على البنية الهشة للنظام القائم، وتقترب من لحظة الانفجار.

وقد لخّص المفكر الشيخ محمد الغزالي هذه الفكرة بقوله : “المتاعب والآلام هي التربة التي تنبت فيها بذور الرجولة، وما تفتقت مواهب العظماء إلا وسط ركام المشقات والجهود”.

إن الأمة، وقد شبعت آلامًا، أمام فرصة لتحويل هذه التضحيات إلى قوة خلّاقة تصنع مستقبلًا جديدًا، والرهان في النهاية على وعي شبابها، وقدرتهم على تحويل لحظة الضعف إلى بداية تحول تاريخي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى