
من لا يُحَكِّم سيفَه يُحكم عليه..
الدكتور/ عدنان بن أحمد الأنصاري
محلّل سياسي ، ودبلوماسي ، وسفير سابق
إذا استوعب العرب أن ماء الحياة بلا سيادة جحيم، فإنهم سيعيدون صياغة مشروعهم السياسي على قاعدة أن القوة هي لغة التفاهم الوحيدة التي تُحترم في النظام الدولي.
أما إذا استمروا في الاكتفاء بالشجب والتنديد، فسوف تتكرّس مقولة كيسنجر المريرة : “العرب لم يضيّعوا فرصة لتضييع الفرص”.
إن الاستشراف ليس تنجيماً، بل قراءة لمسار التاريخ..
المستقبل سيكون للأمة التي تحكم سيوفها في رقاب التردد والذل، وتكتب بدمائها عقد وجودها الجديد.
إن “الدول تُحاكَم في النهاية على قدرتها على البقاء لا على نواياها
أن الضعف يُغري الطامحين أكثر مما يغريهم الذهب”.
هذه الحكمة القديمة والمعاصرة تُنذرنا بأن التاريخ لا يرحم الأمم التي تخلط بين التمنّي والقوة، أو بين الشِّعر كسرد وبين الشِّعر كعقيدة وجود.
1. منطق القوة والكرامة..
الفلسفة الاستراتيجية تقوم على رفض الذلّ ولو كان مموٌهاً بالراحة.
“ماء الحياة بذلّة كجهنم”، هي صياغة شعرية أن الاستقرار بلا سيادة ليس سوى سجن ملوّن.
القوة ليست خياراً تجميلياً، بل شرط وجودي يحفظ للأمة مكانتها في توازنات الردع.
2. المعادلة بين العزة والموت..
يلخص ما يسميه علماء السياسة بـ “الردع الوجودي” :
الاستعداد للتضحية بالذات من أجل عدم الوقوع في دائرة الهيمنة.
إن المجتمعات التي تفتقد هذا الاستعداد تتحوّل سريعاً إلى “توابع حضارية”.
إن الأمة التي تُسقَط هيبتها تفتح الطريق لتفكك مؤسساتها، مهما بلغت قوتها الاقتصادية أو الرمزية.
3. الهوية كإطار استراتيجي..
في الاستراتيجية الحديثة، أن الشرعية النهائية للدولة لا تأتي فقط من وثائق التاريخ أو اعتراف الخارج، بل من قدرتها على حماية مجالها الحيوي وصياغة إرادة سياسية مستقلة.
4. الذلّ كفخ استراتيجي..
قوة الخصم تتغذى على خضوعك الأقوياء يفعلون ما يريدون، والضعفاء يتحمّلون ما يجب”.
في السياق العربي الراهن، هذا يفسر لماذا تستمر إسرائيل – رغم صغر حجمها – في فرض إرادتها:
لأن الضعف العربي تحوّل إلى حالة سياسية مستدامة لا إلى ظرف عابر.
5. دروس استراتيجية معاصرة..
• التحرر من الوهم :
الاعتماد على الحلفاء دون بنية ذاتية للقوة هو تكرار لأخطاء الأمم التي شاخت قبل أوانها.
• استثمار الرمزية :
تحتاج الأمة إلى بناء سردية جديدة تربط السيادة بالكرامة لا بالامتيازات الاقتصادية فقط.
• الردع المتعدد :
إن الردع ليس عسكرياً فحسب، بل اقتصادي، تقني، وثقافي. والتاريخ يبرهن أن التفوق في هذه الحقول يحسم الصراع قبل اندلاع المعارك.
الضعيف لا يستطيع أن يفاوض، بل فقط أن “يتوسّل”.
حين تتوقف الأمة عن الدفاع عن نفسها، تبدأ بالبحث عن من يدافع عنها، وهناك تبدأ نهاية سيادتها ”الخوف أكثر دواماً من الحب في السياسة”.
السلام ليس غياب الحرب بل توازن الرعب”..