أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

كيف نبني الدولة رغم وجود الفساد ؟!!..

الدكـتـور/ محـمـد المـعـمـوري

كاتـب وباحـث – الـعـراق

 

كيف نبني الدولة رغم وجود الفساد ؟!!..

 

من المهم أن نبين بصورة واضحة ودقيقة وبلا تحفظ أن الفساد هو نظام متكامل “مخفي” متواجد ومتعايش في جميع بلدان العالم، وأن الفساد قد تجده بين الخط الأول للسلطة أو ما يليه، ولا يتعدى هذين الخطين؛ لأنهما يمثلان الخطين الأكثر قوة في بناء إمبراطورية الفساد في جميع الدول، وكأنه الدولة الموازية للدولة التي تقود البلاد، وهنا علينا أن نقف ونبين كيف يتم التوازن بين الفساد وإدارة الدولة، وكما بيَّنا أن الفساد هو موجود إلا أن إخفائه يبني أسس الدولة؛ لماذا ؟ لأن الدولة ليس لها القابلية لتحرير ذاتها وإنهاء الفساد؛ إلا أنها تستطيع أن تتجاوز الفساد لبناء الدولة، ومع الوقت فإن الفساد سيحجم وتكبر الدولة؛ لذا فإن الدول المتطورة تتجاهل الفساد لتحجمه وهي تعلم بوجوده ولن تعير له أهمية بقدر اهتمامها ببناء الدولة، وبيان قوتها وإظهار منجزاتها، وهنا يختفي الفساد تحت غطاء الإنجازات؛ إلا أنه لن يموت ولن يُقضى عليه.

وإذا كنا نعتقد أننا لا يمكن لنا أن نبني دولة قبل القضاء على الفساد؛ فإننا سنجد أنفسنا داخل محيط الفساد دون أن نتحرر لبناء الدولة.

وهنا نسال كيف نحجم الفساد ونبني الدولة ؟!
في بداية الأمر علينا أن نتفق أن الفساد لن يموت، ولكننا نستطيع أن نحجمه لنتجاوز هذه المعضلة والسير بعيدين عن نظرية بناء الدولة بدون فساد، وأنا أرى أن محاربة الفساد لا يتم بعدد الكاميرات التي توضع لمراقبة الموظف، ولكن يمكننا تحجيمه باختيار إدارة نزيهة في كل دائرة تستطيع أن تتحمل على عاتقها تحجيم دور الفساد في تلك الدائرة ومن ثم استقطاب الموظفين ممن لديهم نزاهة في تلك الدائرة، ومنحهم المراكز المهمة في الدائرة، وفي الوقت نفسه تشخيص ممن يروجون للفساد وتحجيمهم، وإنهاء دورهم في تلك الدائرة، وهنا نستطيع أن نحجم الفساد في دائرة وهكذا في وزارة.

ومن خلال تكوين الكوادر النزيهة في مجال إدارة الدولة نستطيع أن نحجّم الفساد في الوقت الذي تكون عجلة البناء والتطور تقطع أشواطها المرسومة لها، لأننا إذا أوقفنا عجلة البناء والتطور سوف لن نضمن أننا نُنهي الفساد؛ لأنني بصراحة وجدت من خلال إقامتي في بلدان نعتقد أنها بدون فساد، ولكنها تخفيه تحت جناحيها لتظهر فقط مايقوم بناؤها لا لتقويض منجزاتها.

الجميع يحدد نجاح الحكومة “أي حكومة” بمدى مقارعتها للفساد، ولا يمكن أن تنجح الحكومة “حسب رؤيتهم” إلا بأن تتعهد على القضاء التام على الفساد، هكذا وإلا فإنهم سيُسقطون أي مشروع يقدم من قبل Hي حكومة.

إذن نحن أمام الدولة الفاضلة التي تحدد أركانها بمقومات العدل، والمتصلة بشكل مباشر مع تعاليم السماء، وهذه الدولة لم تظهر إلا في عهد الأنبياء لأنهم يطبقون أسس العدل الإلهي في الأرض، وماعدا ذلك فإن الدول تُبنى على اجتهاد حكامها، وقد تستند إلى تعاليم السماء لتقوم أسسها؛ إلا أنها لن تكون بأي حال من الأحوال الدولة الفاشلة أو التي تضم بين جناحيها العدل لتنشره بين العباد، وهنا علينا أن نتفق بأن العدل وإن كان في شخصية الحاكم العادل التي قوته تتفاوت بين شخص وآخر، وأن الدولة بطبيعة الحال لا يمكن أن توضع أسسها التنفيذية والتشريعية في شخص واحد أو عدة أشخاص؛ لذا فإننا سنلمس تسرب الفساد في مفاصل الدولة بقدر ما تدركه أيادي الفاسدين، وأن تغطيته ستكون بقدر الإنجازات التي ستحجمه لتجعل منه عاجزا على تهديم أركان الدولة، وبالتالي فإن الدولة صحيح لن تصل إلى الدولة الفاضلة ولكنها ستنمو وتستمر في البناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى