أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

تـقـديـمُ الأخـلاقِ عـلـى العـلـمِ..

عـصـام بن محـمـود الرئيـسـي

كاتب ، ومؤلف سلسلة كتاب مختارات من البروتوكول والإتيكيت

 

تـقـديـمُ الأخـلاقِ عـلـى العـلـمِ..

 

“العلم إنْ لم تكتنفه شمائلٌ تُعليهِ كان مَطِيَّةَ الإخفاقِ

لا تحسبنَّ العلمَ ينفعُ وحدَه ما لم يُتَوَّجْ ربُّهُ بخَلَاقِ”

مع التطوُّرِ العلميِّ والتِقَنِيِّ والاهتمام الكامل بالعلم والسعي وراء المعرفة بشتى أنواعها ، وانشغالنا الواضح في خِضِمِّ هذا التطور السريع تناسى البشرُ العديدَ من السلوكيات الاخلاقية التي لا غنى عنها في حياة الناس ؛ فقد طغت الماديات على الأخلاقيات ،وظهر ذلك واضحا من خلال التعامل اليومي لفئة من البشر في سائر مجالات الحياة.

قيل : (تأدب قبل أنْ تتعلم)، وقيل أيضا : (من أدّب ولده صغيرا، سُرّ به كبيرا) ؛ ولذلك يقول الشاعر :

“وإنَّ مَنْ أدَّبْتهُ في الصِّبا كالعُودِ يُسقى الماءَ في غرسِهِ

حتى تراهُ مونقا ناضرا بعد الذي أبصرتَ مِنْ يُبسهِ”

هكذا هي التربية التي تعلمناها من خلال هذه الحكم والمواعظ ؛ فالأخلاق الحميدة هي القاعدة الذهبية التي يجب أنْ ننطلق من خلالها إلى طلب العلم والتحدث مع الناس بشأنه، فمن خلال ذلك أيضا سنجد الوقود المناسب الذي يشعل شمعة المحافظة على المجتمع المهذب وسيجتمع الأدب والعلم معا ،وتكتمل الحلقتان وهما العنصران الأساسيان في بناء المجتمعات، والأدب خلق جميل وصفة حميدة، به يحسن القول والتحدث ويجمل الفعل وفاعله، ونظرًا لأن التقدم العلمي أصبح أساسيًا بين البشر وبشكل متزايد في المجتمع ، فإن ذلك يمثل تحديًّا دائمًا في ترسيخ أخلاقيات نحن بحاجة إليها جنبا إلى جنب مع طلب العلم لنتعامل مع مَنْ حولنا مِنَ البشر بكل رقي وتهذيب.

لقد اهتم ديننا الإسلامي الحنيف بالأخلاق والآداب قبل طلب العلم، يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ الآيه 4 من سورة القلم، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – في مقولة كريمة صريحة واضحة “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، ولأجل هذا كان السلف الصالح – رضي الله عنهم – يحرصون على الأدب قبل العلم، وكانت وظيفة (مؤدب أولاد الخلفاء) من الوظائف المعروفة المشهورة في ذلك العهد، وما ذاك إلَّا لإدراكهم أهميَّة الأدب ، ومكانته من الدين والعلم،.ويؤكدون أن عليهم أنْ يعلموا أبناءهم القرآن الكریم ،وهو أهـم ما یجب أنْ یتعلموه مـن المواضيع والعلوم ، ویؤكد على الأخلاق الحسنة أیضا والعادات الطیبة الفضیلة، هـذا فضلا عـن تجنيبهم السفهاء، وأصحاب السوء والأخلاق الرديئة، وكانوا إذا أرسلوهم للمربين والمؤدبين أمروهم بالأدب قبل العلم.

إن العلم إذن ليس مجرد السعي وراء المعرفة من خلال الكتب وحفظ المعلومات أو صفوف وقاعات يلقى فيها العلم ويدرس، بل هو تربية وإعداد، وترسيخ مفاهيم، وغرس قيم وأخلاق، ومن الضروري أنْ يكون هدفه الأول البقاء والمحافظة على مقومات الأمة من آداب وأخلاق وتاريخ، وهذا هو جوهر العلم بكل تفاصيله، وهو يهدف أيضا إلى حماية كرامة وحقوق البشر، ورفاهية المشاركين والمستهدفين، وخاصة الدراسات البحثية منها ، ولا بد من متابعة التمسك بتلك المعايير الأخلاقية المناسبة، وحتى ظهور نتائجها، وهذا الأمر لا يتأتى إلا إذا كانت الأخلاق تتقدم الخبرة والعلم في مجال إعداد تلك البحوث والدراسات المختلفة.

وكذلك قيل : (تأدب قبل أن تتحدث بأي كلمة) ، وهذا جزء كبير من الأخلاقيات التي يجب أن تكون حاضرة مع طلب العلم؛ لأن بعض الناس باتوا كأنهم لا يفكرون قبل أن يتلفظوا بأي كلمة، وخاصة أثناء انهماكهم في التعلم، ويتصورون بأن كلماتهم تلك ستمر مرور الكرام، ولكن لا يعلمون أن أحدهم قد يتأثر بها، وقد ويقف أمامها زمنا يعاني من تأثيرها، لذلك حذر أيضا ديننا الحنيف من ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخط الله، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم”.

وأخيرا نقول علينا جميعا أن نتعلم الأخلاق والأدب قبل أن نتعلم العلم.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى