أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

أردوغـان .. ظـاهـرة عـربـيـة !!..

الإعـلامي/ زاهـر بن حارث المحـروقي

 

أردوغـان .. ظـاهـرة عـربـيـة..

 

اتفقنا مع سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو اختلفنا معها، فذلك ليس مهما؛ فالرجلُ أصبح «ظاهرة» في الوطن العربي، إذ احتفل بفوزه في الانتخابات الأخيرة محبوه الكثيرون، بعد أن سهروا متابعين نتائج الانتخابات أولًا بأول، وملأت صوره حالات الواتساب، وتبادل الناس التهاني في ظاهرة لافتة، ممّا يطرح تساؤلات عن سبب هذه الفرحة، التي وصلت إلى مبلغ خداع النفس بتصوير الفوز بأنه انتصارٌ للإسلام على الكفر، وانتصارُ الشرق على الغرب.

والإنسانُ لا يملك إلا أن يتعاطف مع المشاعر العربية هذه، لأنّ الشعوب العربية قاطبةً محرومةٌ من انتخابات كهذه، وهي تفتقد إلى الزعامة الحقيقية، فرأت في أردوغان زعيمًا وقائدًا مقدامًا يدافع عن قضايا المسلمين بصوته الجهوري، وببعض الآيات القرآنية التي يتلوها في خطبه، فغطى ذلك (عندهم) على التدخلات التركية في شؤون دول عربية مستقلة كسوريا والعراق وليبيا وغيرها…

وخير تصوير لحالة العرب هو السخرية من الاحتفالات العارمة التي عمّت عدة مناطق لبنانية – مثلا – مهللة لفوز أردوغان، «فيما هم محرومون من رئيس للجمهورية اللبنانية للشهر الثامن على التوالي» حسب تعليقات مواقع التواصل اللبنانية.

في غمرة الاحتفالات العربية بفوز أردوغان منّى البعض النفس أنّ الانتخابات التركية ستكون لها امتداداتها وتداعياتها، وستؤثر عميق الأثر على جوار تركيا، «بحيث سينعكس ذلك على مجمل السياسات المتبعة بالمنطقة، ومنها قضايا فلسطين وسوريا» – كما ذكر أحد المعلقين في إحدى القنوات الفضائية -.

وفي الواقع فإنّ هذه ليست الانتخابات الأولى في تركيا، فهي تُجرى كلّ خمس سنوات، وكذلك فإنّ هناك انتخابات مشابهة في إيران وفي الهند، ولم نر تأثير تلك الانتخابات على الأوطان العربية من حيث انتقال عدواها؛ لكن يُحسب للرجل أنه فاز بصعوبة وعلى مدى جولتين، ولم يكن فوزه على غرار الفوز العربي بالنتيجة المعروفة سلفًا بنسبة 99.09%، كما أنّ منافسيه الثلاثة لم يتم اعتقالهم أو اعتقال ذويهم بتلفيق تهم باطلة لهم.

وأنا حقيقة لا أدري كيف سينعكس هذا الفوز على السياسات المتبعة بالمنطقة؟؛ فتركيا على علاقة مميزة مع الكيان الصهيوني، وتدخلت في بعض الأحيان في الشؤون الداخلية لدول عربية كما هو الحال في سوريا وليبيا، أما في العراق فتتحدث تقارير استخباراتية عن أنّ تركيا تمتلك 11 قاعدة عسكرية رئيسية في إقليم كردستان العراق، إلى جانب 19 معسكرًا أساسيًا تابعًا لها، ويُقدّر عدد العسكريين الأتراك (ضباطا وجنودا)، الموجودين في تلك القواعد والمعسكرات، بأكثر من 7 آلاف عنصر يتحركون بمساحات جغرافية واسعة تصل إلى حوالي 100 كلم2 في عمق الأراضي العراقية، وصل الأمر إلى أن يصرح علنًا علي رضا غوناي السفير التركي في العراق في يوليو عام 2021، خلال زيارة له إلى كركوك، بأنّ مدينة كركوك العراقية تركمانية، «وإنَّ بلاده مهتمة بالمدينة وعازمة على مواصلة دعم التركمان المقيمين فيها، واصفًا إياهم بـ«الأتراك العراقيين وأبناء جلدتنا»، فهل هناك تدخل أكبر من هذا التدخل الذي ضرب الأعراف الدبلوماسية عرض الحائط؟!.

بما أنني من المؤمنين بأنّ الانتخابات التركية شأنٌ تركيٌ داخلي، ويحق للشعب التركي أن يختار من يحكمه، وبما أنني من المؤمنين أيضًا بالدور السلبي الذي قامت به تركيا في البلدان العربية، وبعيدًا عن العاطفة أقول – وهو ما كررتُه في أكثر من مقال – إنّ الخلل أساسًا في ضعف العرب؛ فالأوطان العربية الآن مستباحة، وكم كنتُ أتساءل أمام كلّ من ينتقد الطموحات الإيرانية والتركية في المنطقة، أين هم العرب؟! وأين هي طموحاتهم؟! وأين هي خططهم؟!، وهذا السؤال يقودني إلى تساؤل آخر : هل كان أردوغان يجرؤ على الاقتراب من العراق بوجود الرئيس صدام حسين؟ وعلى سوريا وهي قوية ولم يتآمر عليها العرب؟ وهل كان يجرؤ على التدخل في الشؤون الداخلية للعرب وهم أقوياء؟.

لقد أعادتني حالة الفرح العربية بفوز أردوغان إلى مقال كتبه الزميل علي بن مسعود المعشني بجريدة «الرؤية» بتاريخ 9 نوفمبر 2015 تحت عنوان «كيف صُنعت ظاهرة أردوغان»؟!؛ أثار حينها حفيظة الكثيرين من حوارييه، عندما كتب : «مشكلتنا كعرب معاصرين لا تكمن في أننا ظاهرة صوتية – كما صوّرنا المفكر عبد الله القصيمي – بل إننا مولعون بالظواهر الصوتية إلى حد الثمالة!!، والمشكلة الأدهى أننا قوم نتوقف عند الخبر ولا نتعداه إلى ما وراء الخبر، وهو الأهم؛ فلكل ظاهرة أو مخطط هدفان؛ هدف قريب يراد به الإلهاء، وهدف بعيد وخفي يراد تحقيقه وهو الأهم، ولا يدركه إلا الراسخون في العلم، وسر اهتمامنا بظاهرة أردوغان كونها ظاهرة تتعدى الجغرافيا التركية وكما هو مخطط ومرسوم لها، إلى المحيط العربي والإسلامي، في زمن الجدب الفكري والتنموي لهذين المحيطين، ولمباغتتهما بالنموذج الأردوغاني قبل استفاقتهما واختيارهما لنموذج وطني خاص بهما ومن نسيجهما الثقافي والديني، الأمر الذي لن يروق للغرب الخصم التاريخي للحضارة العربية الإسلامية».

ما يؤسف له أنّ الوطن العربي في أضعف حالاته الآن، ومَن لم يستطع أن يستحوذ على نصيبه من «الكعكة» العربية الآن، فلن يستطيع ذلك مستقبلا؛ فالأتراك يعلمون – تمام العلم – أنّ تركيا لن تتمكن من الهيمنة على الساحتين الإقليمية والدولية دون تحقيق قدر كبير من الهيمنة على الدول المجاورة لها، ولا سيما تلك التي تعاني أوضاعًا وظروفًا سياسية وأمنية واقتصادية مضطربة، ومن لا يعاني الآن أصلا؟، والمفارقة أنّ ما تفكر فيه تركيا وتفعله هو ما تفكر فيه إيران وتفعله، والحكومات العربية غائبة تمامًا عن المشهد، وقد ساهمت – بعلم منها أو دون علم – في أسباب تلك الاستباحة، ثم ظهر من يتباكى على عروبة العراق.

في كلّ الأحوال فإنّ الانتخابات التركية هي شأنٌ داخليٌ تركي – كما سبق أن ذكرت – لا تهمنا كعرب في شيء، وأنا أنظر إلى سياسات الرئيس أردوغان بنظارة عربية، لذا فإنّ حكمي عليه يأتي من هذا المنطلق، وحتى لو فرضنا أنّ أحدًا غيره قد فاز، فلن يغيّر ذلك من السياسة التركية تجاه العرب في شيء.

ويبقى أنّ رجب طيب أردوغان «ظاهرة عربية» أكثر منه تركية!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى