حوارقضايا أصداء

“أصـــداء” تحاور أعضاء من الوفد الأوزبكي الذي زار سلطنة عمان مؤخراً بدعوة من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية..

أجرى الحوار : محمد بن عبدالله الدغيشي

 

للوثائق والمحفوظات دور بارز في بناء مستقبل مشرق مستند على ما قام الآباء والأجداد، فهو يسهم في تطوير مجال الوثائق والمحفوظات، وحفظ تاريخ عمان العريق؛ لأجل حماية التراث الوطني، ولتشجيع البحث العلمي من خلال البحث عن ماهو محفوظ من كتب وأبحاث ودراسات سابقة، يرجع لها الباحثين من أجل تطويرها وتحسينها للمستقبل، كما أن للوثائق والمحفوظات دورا كبيرا في الاتصال مع شعوب العالم، والأخذ والعطاء فيما بينهم وتبادل الكتب والأبحاث القديمة التي يرجع عمرها إلى القرون الهجرية البعيدة، والاستفادة من الخبرات والتقنيات الحديثة المعاصرة.

إن حكومتنا الرشيدة أولت اهتماما كبيرا بالوثائق لما تشكله من أهمية كبيرة للذاكرة الوطنية، وأصدرت نصوصا وقوانين تمثل الأساس لمجال الوثائق والمحفوظات، وأنشأت هيئة تؤدي المهام المختصة بحفظ الوثائق، كما سعت كذلك بإنشاء دوائر للوثائق في سائر الوحدات الحكومية.

وبدعوة كريمة من سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية زار الوفد الأوزبكي السلطنة؛ وذلك لتقوية رابطة العلاقات العمانية الأوزبكية في مجال حفظ الوثائق والمحفوظات، وللاستفادة من تجارب البلدين في حفظ الوثائق والمحفوظات.

أشار فردوس حليموف رئيس الوفد الأوزبكي في السلطنة ونائب رئيس مركز الحضارة الإسلامية لمجلس الوزراء في أوزباكستان، أنه أثناء هذه الزيارة تم الاتفاق على توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة الوثائق والمحفوظات بسلطنة عمان، ومركز الحضارة الإسلامية بطشقند على التعاون في مجالات عدة منها: في مجال المخطوطات الإسلامية، والمخطوطات الإلكترونية، ويتم من خلالها تبادل الخبرة مع الهيئة العامة في سلطنة عمان.

وأضاف أن من خلال اللقاء تم نقاش الأمور المتعلقة بترميم المخطوطات، لما يلعبه من دور هام في نشاط مركز الحضارة الإسلامية، وأشاد بالخبرات القيمة التي اكتسبوها من هيئة الوثائق والمحفوظات، والتي لاحظوها أثناء زيارتهم للهيئة كترميم الوثائق وتصنيف وتعقيمها.

وردا على سؤال حول السبق في الترميم، أوضح فردوس حليموف أن قبل وجود الاتحاد السوفيتي وانتشار الشيوعية التي كانت تحارب الأديان، كانت هناك ظروف ملائمة للترميم حسب الإمكانيات المتاحة آن ذاك، ولكن النظام الشيوعي ضد جميع الأديان فكان الشعب الأوزبكي يخاف من أن تتعرض الكتب من الإتلاف العمدي من قبل الحزب الشيوعي، فلذلك المواطنون وأفراد المجتمع كانوا يحاولون حفظ هذه المخطوطات بأسلوب بدائي كدفنها في الأرض أو وضعها في أسقف العمارة أو تحت أرضية المبنى وغيرها من الأساليب، فهذه الأساليب البدائية لم تستطع على المحافظ على تلك المخطوطات بطريقة سليمة، لذا هي تحتاج إلى عمليات ترميم وتعقيم وإنعاش لتصبح صالحة للقراءة مجددا.

وتحدث حليموف عن الهدف من إنشاء مركز الحضارة الإسلامية بطشقند، وهو البحث عن المخطوطات القديمة والمتهالكة وترميمها بأسلوب حديث تقني جديد، وهذه من المشروعات الكبيرة التي يرأسها رئيس الجمهورية في أوزبكستان، كما أنه أشاد بهذا المشروع عدة مرات في عدة اجتماعات ومحافل دولية؛ فإذا تم ترميم وإعادة إصدار مثل هذه المخطوطات القديمة والتي تعتبر التراث الإسلامي للأجيال القادمة، ونشرها على أوسع نطاق للشباب والأجيال القادمة حتى يستفيدوا من إرث أجدادهم فإننا سوف نحقق الهدف المرجو بإذن الله.

وإضافة لذلك، فإن الهدف من الزيارة كذلك؛ هو من أجل تكوين علاقات مع الدول العربية المختلفة، والتعرف على ثقافاتهم وأسلوب حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ووجهنا الدعوة إلى سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس الهيئة لزيارة جمهورية أوزبكستان وبالتحديد مركز الحضارة الإسلامية، لكي يصبح كل منا يستفيد من الآخر.

قال رئيس الوفد الأوزبكي : “تم الاتفاق مع سعادة الدكتور الضوياني أننا في المستقبل سوف نوقع معهم اتفاقاً رسمياً على تبادل المخطوطات الإلكترونية”، فالهيئة لديها مخطوطات إلكترونية والمركز لديه كذلك مخطوطات إلكترونية، ولكن حتى يتم التبادل فيما بيننا لابد من اتفاق مبدئي، فأثناء اللقاء تم التوصل على هذا الاتفاق المبدئي ولله الحمد، ولكن في المستقبل القريب سوف يتم تسريع هذا الاتفاق ويتم تحويل هذا الاتفاق لمرحلة التنفيذ إلى الواقع، كما أكد فردوس حليموف أنه تم مشاهدة مخطوطات كثيرة لا يحصى عددها؛ هذا هو التعاون بإذن الله ومثل هذا التعاون لدينا مع العديد من الدول الإسلامية.

 

ومن جانبه تحدث الدكتور براءة أمانوف رئيس قسم العلاقات الدولية وتنمية السياحة الدينية وأحد أفراد الوفد الأوزبكي للسلطنة عن الثقافة الأوزبكية، وأن الكثيرمن العلماء في أوزبكستان ساهموا في تطور العلوم الإسلامية والعلوم العالمية، وفي السنوات الأخيرة قد تمت الإصلاحات الدينية في إحياء التراث العلمي للأجداد العظماء مثل الإمام البخاري، الترمذي، الماتوردي من قبل فخامة الرئيس شوكت مرضيائيف منذ العام 2017، ولهذا السبب قد تم تأسيس وفقا لمبادرة فخامة الرئيس شوكت مرضيائيف مثل مركز الإمام البخاري الدولي للبحوث العلمية للدراسة والتحقيق والبحث في حياة العلماء، والذي تم تأسيسه في العام 2017 من قبل مجلس الوزراء لجمهورية أوزبكستان باسم “مركز الإمام البخاري الدولي للبحوث العلمية”.

وأضاف الدكتور براءة؛ أنه منذ أن أسس مركز الإمام البخاري للبحوث العلمية قد تم الترجمة من قبل موظفي أو مترجمي المركز عدة كتب للإمام البخاري مثلا : الجامع الصحيح، الأدب المفرد، ثلاثية البخاري، خلق آفال العباد، بر الوالدين، التاريخ الكبير، التاريخ الصغير، لم تكن هذه الكتب مترجمة باللغة الأوزبكية، فقد ساهم المركز في ترجمتها ودراستها، ويعتبر هذا سبب في تعاقب المراكز في أوزبكستان مثل مركز الإمام الترمذي، مركز الإمام الماتوردي، مركز الحضارة الإسلامية، وكل هذه المراكز قد تم إنشاؤها في الخمس سنوات الأخيرة نتيجة للإصلاحات الدينية.

وردا على أحد التساؤلات المتعلقة بمواقع المراكز العلمية، أوضح الدكتور براءة أن كل مركز يقع في محافظة مختلفة، فعلى سبيل المثال مركز الحضارة الإسلامية يقع في طشقند، بينما يقع مركز الإمام البخاري في مدينة سمرقند بجانب ضريح الإمام البخاري، وكل مركز قد تم إنشاؤه له وظيفة خاصة فمثلا مركز الإمام البخاري الدولي للبحوث العلمية قد تم إنشاؤه لدراسة حياة علماء محدثين مثل الإمام البخاري، وكذلك تم إنشاء مركز الإمام الماتوردي للبحوث العلمية؛ من أجل دراسة حياة المتكلمين وتراثهم العلمي مثل الماتوردي، وأيضا تم إنشاء مركز الإمام الترمذي لدراسة علماء محدّثين مثل الإمام الترمذي وهكذا.

أوضح الدكتور براءة أن المقصود بالدراسة في هذه المراكز هي وجود الأبحاث العلمية المخصصة في كل مركز، مثل وجود الترجمة وإقامة العلاقات الدولية بمراكز متماثلة في أنحاء العالم وتنظيم المؤتمرات والندوات العلمية للمخطوطات العلمية القديمة والنادرة التابعة لعلماء ما وراء النهر، كل هذه من مهمات ووظائف المراكز العلمية.

وأشار الدكتور براءة بأنه تم إنشاء معهد للحديث وعلومه بالقرب من مركز الإمام البخاري وبه طلاب يدرسون التحقوا بالمعهد منذ أربع سنوات، كما أن هؤلاء الطلاب يدرسون ستة كتب مشهورة في علم الحديث ويدرسانهما شيخان من جامعة الأزهر، وهذه الكتب هي : الجامع الصحيح، صحيح مسلم، سنن الدارمي، سنن الترمذي، سنن إبن ماجة، صحيح البخاري، كما أن الطلاب يتعمقون في هذه الكتب ويحفظونها.

أضاف الدكتور براءة على ما قاله رئيس الوفد الأوزبكي فردوس حليموف بأن من مهمات مركز الإمام البخاري للأبحاث العلمية هي الحفاظ على المخطوطات النادرة والقديمة، ولله الحمد أنه تم الإعلان منذ سنتين عن شراء الكتب وبعض المخطوطات القديمة والنادرة من أيادي الناس للدراسة والتحقيق، فبعض الناس كانوا ولا زالوا يقدمون الكتب كهدية للمركز، والبعض الآخر يبيعها لنا بثمن، لأن هذه المخطوطات تعتبر من المهم دراستها بالنسبة للمركز، وأشار بأن بعض هذه المخطوطات ترجع إلى قرون قديمة وتصل إلى القرن الثالث عشر للهجرة مثل كتاب “الكشاف” لمحمود الزمخشري، وهو عبارة عن تفسير للقرآن الكريم، كما يوجد أشباه كثيرة لهذه المخطوطات.

أشاد الدكتور براءة عن التكنولوجيا الألمانية المعاصرة المستخدمة في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في سلطنة عمان مثل الماسح الضوئي، وهذا يدل على اهتمام السلطنة وجلالة السلطان على الاحتفاظ بالوثائق والمحفوظات، وما توليه الحكومة من أهمية كبيرة تسهم في تقدم الدول، كما شبه براءة هيئة الوثائق والمحفوظات بالجسم الذي به قلب وعقل، فهو لايستطيع العيش بدونهما، وأن إنشاء المستقبل لا يمكن دون وجود التاريخ، فهو يلعب دورا كبيرا بالنسبة للسلطنة، وهو بمثابة النموذج الناجح والمقتدى به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى