مبدأ حق التعليم وإلزاميته بالنظام الأساسي للدولة..
الدكتور/ سعيد بن عبدالله المعشري
مـسـتـشـار قـانـونـي
مبدأ حق التعليم وإلزاميته بالنظام الأساسي للدولة..
مع بداية انطلاق زحف أبنائنا أفواجاً إلى مدارسهم في عامهم الدراسي الجديد 2023/2022 م، علينا أن نتذكر ونردد آيات الله تعالى في محكم كتابه المنزل “إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق .. إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم .. علم الإنسان ما لم يعلم…” والتي نزل بها الوحي على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بإعلان بداية رسالة الإسلام العظيمة إلى البشرية، منذراً بذلك أن تحقيق العدالة على المعمورة لا يتأتى إلا بالعلم، وبه تبدو أهمية التعليم للمجتمعات الإنسانية على اعتباره أحد الركائز الأساسية في تعزيز إمكانية الفرد بالمشاركة في تحقيق التقدم والازدهار الاجتماعي والاقتصادي بها، وكما يساعده في الحصول على الرفاهية والاستقرار المعيشي.
ويعد التعليم من الحقوق الأساسية للإنسان المعترف بها في الشرائع السماوية، كما أنه يعد أحد حقوق الانسان المكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية، والدساتير الوطنية، وخطط التنمية في مختلف دول العالم.
ولذلك نص الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948م على الحق في التعليم بموجب المادة (26) على أن “لكل شخص الحق في التعليم”، محثاً الدول على توفير تعليم ابتدائي مجاني لرعاياها، ومنذ ذلك أقر الحق في التعليم في عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مثل : اتفاقية اليونسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم (1960)، والعهد الدولي الخاص بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965)، وإذ يعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأكثر شمولاً وتفصيلاً في تناوله للحق في التعليم، من حيث هدف التعليم وطبيعة العملية التعليمية وآليات الوفاء به للجميع دون تمييز.
ومن الاتفاقيات والمعاهدات الأخرى التي تضمنت الحق في التعليم؛ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979)، واتفاقية حقوق الطفل (1989)، واتفاقية حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1990)، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2006)، كما تم الاعتراف بالحق في التعليم في اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية والقانون الإنساني الدولي، وكذلك في المعاهدات الإقليمية، وبهذا يعد التعليم من الحقوق التي كفلها القانون الدولي بالمواثيق، وجعله حقاً أساسياً من حقوق الإنسان التي لا غنى عنه للتمتع بحقوقه الأخرى.
ومن باب حرص السلطنة على هذا الحق الإنساني بأن يكون متاحاً لكافة مواطنيها وملزماً لهم في مرحلته الأساسية، رسخت مبدأ الحق في التعليم والزاميته بالسلطنة بالنظام الأساسي للدولة بموجب المادة (16) التي نصت على حق التعليم لكل مواطن على أن يهدف إلى بناء الشخصية العمانية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح والتآلف، ويكون إلزامياً في مرحلة التعليم الأساسي، على أن تعمل الدولة على مكافحة الأمية وتشجيع إنشاء المدارس والمعاهد الخاصة، وعلى أن تكفل استقلال الجامعات وتيسير القبول للتعليم العالي أمام الجميع على قدم المساواة؛ على أساس الكفاءة والجدارة، وحرية التفكير والإبداع.
ويلاحظ في الواقع عدم وجود المكنات التنفيذية لضمان إدامة تحقيق هذا المبدأ، كقانون ينظم العملية التعليمية في السلطنة بما يضمن تحقيق أهدافه المُثلى في التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال الاهتمام بكافة الجوانب المتعلقة بالعملية التعليمية والتربوية وجعلها من الأولويات الضرورية والقصوى في المجتمع، كالاهتمام بتطوير برامجه لتتواكب مع المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية من خلال تهيئة بنيته بكافة متطلباتها في المدارس وكافة المؤسسات التعليمية، وإلى جانب ذلك من الأهمية أن يحظى المعلم بالاهتمام البالغ من حيث تأهيله وتحفيزه، فالمعلم هو ركيزة مخرجات التخصصات الأخرى من أطباء ومهندسين وقضاة ومحامين وغيرهم؛ لهذا يعد الأداة والوسيلة لتحقيق الأهداف المبتغاة من هذه العملية، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال إيجاد منظومة خاصة للمعلم يراعى فيها وضعه الوظيفي وتأهيله وتطويره وصقله مهنياً.
ومن الأهمية بمكان إيجاد منظومة تضمن وجود الفئات الناشئة على مقاعد الدراسة في مراحل تعليمهم الأساسية، وعدم تسربهم خارج المقاعد الدراسية، وذلك من خلال إيجاد عقوبات وتغليظها سواء لولي الأمر أو المعلم أو المدرسة إن ثبت أنهم سبب تسرب الطالب خارج المقاعد الدراسية، وأيضاً من خلال بناء حلقة تشاركية تضم جميع أطياف المجتمع كالأسرة والمدرسة؛ لضمان تحقيق الغاية والهدف من إلزامية التعليم وإقراره كحق لصيق بالإنسان، وبالتزامن مع ذلك من الضروري أن يتم وضع برامج تساعد على تطوير المستوى الثقافي والمعيشي، وترسيخ مفهوم أهمية التعليم في المجتمع.
ولضمان الاستمرار في تطوير العملية التعليمية والتربوية بالسلطنة، يكون من المناسب والأهمية بضرورة الإسراع في إصدار قانون للتعليم، وقانون المعلم، الذين يُرى أنهما يُعَدّان من الأولويات المساعدة في تحقيق أهداف ومعطيات رؤية عمان 2040، ليتكفل قانون التعليم بتنظيم العملية التعليمية والتربوية في السلطنة، وتجويدها ببرامج تواكب المتغيرات والتطورات في هذا الحقل، وتشجيع المجتمع على تحفيز أبنائه للتعليم ليكون أولوية من أولويات الحياة المعيشية في المجتمع، ومن الأهمية أن يكون هناك أيضاً قانون للمعلم ينظم وضعه الوظيفي والمهني، من حيث التأهيل والصقل المهني، وأن يكون له جدول رواتب خاص بمحفزات مادية ومعنوية على غرار ما هو معمول به في بعض التخصصات المهنية الأخرى كالأطباء والمهندسين وغيرهم؛ فالمعلم هو صاحب الفضل في مخرجات هذه التخصصات، فلا يستقيم الأمر أن يُكافأ الإبن قبل أن يُكافأ أبيه المعلم.