
المبادرات الرائدة لأوزبكستان في مشاريع السكك الحديدية لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)..
ديلدورا إبراهيموفا
رئيسة قسم مركز دراسة مشكلات تطوير النقل واللوجستيات
بوزارة النقل بجمهورية أوزبكستان
عشية انعقاد قمة منظمة شنغهاي للتعاون المقبلة، تزداد أهمية قضية تطوير بنية تحتية مستدامة للنقل في المنطقة. إذ لم تعد الممرات النقلية مجرد طرق لوجستية، بل أصبحت شرايين استراتيجية تمر عبرها ليس فقط البضائع، بل الثقة المتبادلة والشراكة الاقتصادية والاستقرار الإقليمي.
وفي كل قمة للمنظمة، تحظى قضايا التعاون في مجالات النقل والاتصالات بأولوية خاصة. وقد أكد رئيس جمهورية أوزبكستان، شوكت ميرضييوف، خلال مشاركته في القمة الرابعة والعشرين للمنظمة في أستانا، على ضرورة تشكيل نظام متكامل ومترابط للنقل والعبور بهدف تعزيز الروابط الإقليمية.
وفي ظل تصاعد عدم الاستقرار الجيوسياسي في البحر الأحمر وشرق أوروبا، تبرز الحاجة إلى إنشاء طرق برية بديلة وموثوقة بين أوروبا والصين، وأوروبا وجنوب آسيا، مروراً بآسيا الوسطى.
وفي هذا السياق، لا يقتصر الأمر على تطوير البنية التحتية فقط، بل يشمل أيضًا تنسيق المبادرات في مجالي النقل واللوجستيات مع منظمات إقليمية ودولية أخرى، مثل منظمة التعاون الاقتصادي (ECO)، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU)، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN)، وغيرها. ويسمح هذا التنسيق ببناء مسارات فعالة ومترابطة تفتح آفاقًا جديدة أمام دول المنظمة والدول الشريكة.
وكما أكد رئيس الدولة مرارًا، فإن تنفيذ المشاريع المشتركة في مجال النقل يسهم في التكامل الاقتصادي، وتوسيع العلاقات التجارية، وتعزيز موقع المنطقة في النظام العالمي للنقل.
ويحتل تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية مكانة خاصة ضمن هذه الجهود. فمنذ تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون، تم إعطاء أولوية دائمة لتطوير قطاع النقل، ولا سيما السكك الحديدية، الأمر الذي جعل من هذا القطاع عنصرًا أساسيًا في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء، وتنمية التجارة، وتطوير السياحة.
وتلعب شبكة النقل المترابطة دورًا محوريًا في تعميق التكامل الاقتصادي وزيادة القدرة التنافسية للدول الأعضاء.
حالياً، يبلغ إجمالي طول شبكة السكك الحديدية لدول منظمة شنغهاي حوالي 348.3 ألف كيلومتر، منها أكثر من 60% (210.2 ألف كيلومتر) مكهربة. ويبلغ حجم البضائع المنقولة سنويًا عبر هذه الشبكة نحو 8.2 مليار طن، بينما يبلغ حجم دوران البضائع 7.5 تريليون طن-كيلومتر، وحجم دوران الركاب حوالي 1.424 مليار راكب-كيلومتر.
وتُعد السكك الحديدية وسيلة النقل الرئيسية والأكثر استقرارًا لدول آسيا الوسطى غير الساحلية، حيث تشكل أكثر من 80% من إجمالي حركة الشحن ونقل الركاب في المنطقة. وبفضل موقعها الجغرافي، وقدرتها على التحمّل في الظروف المناخية، وكفاءتها العالية في استهلاك الطاقة، تظل السكك الحديدية أداة رئيسية لدمج المنطقة في سلاسل التجارة والنقل العالمية.
من بين الدول المجاورة، تمثل الصين وروسيا وكازاخستان الشركاء التجاريين الرئيسيين لأوزبكستان. ففي النصف الأول من عام 2025، بلغت حصة التجارة مع هذه الدول حوالي 40%: الصين بنسبة 18.2%، روسيا 16.1%، وكازاخستان 5.9%. تليها تركيا بنسبة 3.6%، وجمهورية كوريا بنسبة 2.2%.
وتحافظ روسيا وكازاخستان على مكانتهما كشريكين رئيسيين لأوزبكستان بسبب الروابط التاريخية والقرب الجغرافي وروابط النقل والاتصال المستقرة، مما يبرز الدور الرائد لدول منظمة شنغهاي للتعاون في علاقات أوزبكستان التجارية الدولية. وعلى هذا الأساس، تواصل أوزبكستان تنويع مساراتها باتجاه جنوب آسيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وتتعاون أوزبكستان مع شركاء دوليين في تنفيذ مشاريع استراتيجية في مجال السكك الحديدية، لا لتعزيز قدراتها العابرة فحسب، بل لتأكيد دورها كمركز لوجستي في آسيا الوسطى. وفي هذا السياق، تكتسب المشاريع الاستراتيجية لبناء خطوط السكك الحديدية “الصين – قيرغيزستان – أوزبكستان” و”أوزبكستان – أفغانستان – باكستان” أهمية خاصة.
ومن الجدير بالذكر أنه في أبريل 2025، بدأت أعمال البناء الشاملة لسكة حديد “الصين – قيرغيزستان – أوزبكستان” في قيرغيزستان، حيث من المتوقع أن تمر حوالي 40% من المسار عبر أنفاق وجسور، مما يجعله من أكثر المشاريع تعقيدًا من الناحية الفنية في المنطقة.
أما بالنسبة لمشروع “أوزبكستان – أفغانستان – باكستان”، فقد تم توقيع اتفاقية ثلاثية مع الجانبين الأفغاني والباكستاني لإعداد دراسة جدوى شاملة لهذا المشروع ذي الأهمية الاستراتيجية لكامل منطقة أوراسيا.
تلعب سكة حديد “الصين – قيرغيزستان – أوزبكستان” دورًا محوريًا في منظومة النقل التابعة لمنظمة شنغهاي، وذلك للأسباب التالية : تتيح للصين أقصر طريق بري إلى آسيا الوسطى وأوروبا، مما يخفف الضغط على المسارات التقليدية؛ تمنح قيرغيزستان وصولًا مباشرًا إلى الطرق الدولية وتحوّلها إلى مركز عبور؛ تفتح أمام أوزبكستان طريقًا بديلًا إلى السوق الصينية، ووصولًا إلى أوروبا وجنوب آسيا عبر أفغانستان وباكستان؛ تقلل المسافة لباقي دول المنظمة بنحو 1000 كيلومتر، مما يخفض التكاليف بنسبة 30-40% ويُسرّع العمليات اللوجستية.
وفي معرض الحديث عن تحديات التكامل داخل المنظمة، لا بد من الإشارة إلى عدد من القيود التي تعيق تطوير شبكة السكك الحديدية بين دول المنطقة :
أولًا : لا تزال شبكات السكك الحديدية في دول المنظمة مجزأة وغير موحدة ضمن شبكة مترابطة، وتتوفر حالياً طرق برية تربط الصين بأوروبا عبر كازاخستان وروسيا، بالإضافة إلى مسارات بديلة تشمل النقل متعدد الوسائط عبر أذربيجان وجورجيا وتركيا وبحر قزوين؛ غير أنه لا توجد بعد روابط سكك حديدية كاملة بين دول الاتحاد الأوروبي وجنوب آسيا، خاصة باكستان والهند، مما يقيّد نمو التجارة المتبادلة والتكامل الاقتصادي بين الاقتصادات الكبرى في أوراسيا.
ثانيًا : تواجه مشاريع الممرات الدولية داخل المنظمة تحديات تتعلق بعدم انسجام الأطر القانونية والتنظيمية بين الدول الأعضاء. وتشمل العقبات الرئيسية غياب معايير موحدة لوثائق النقل، واختلافات تقنية كبيرة، مثل تباين عرض السكك الحديدية وعدم توافق أبعاد العربات.
ولمعالجة هذه التحديات وتنفيذ المبادرات التي طرحها رئيس جمهورية أوزبكستان خلال قمم المنظمة، خصوصًا تلك المتعلقة بالتكامل العميق في سلاسل الإنتاج العالمية والتبني السريع للتقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي، تنفذ أوزبكستان حزمة إجراءات لتعزيز دور ومكانة منظمات السكك الحديدية داخل المنظمة.
وفي هذا الإطار، تعمل الشركة الوطنية لسكك الحديد الأوزبكية بشكل نشط مع إدارات السكك الحديدية في دول المنظمة لتحويل منصة “لقاء قادة السكك الحديدية للدول الأعضاء” إلى “مجلس تكامل الفضاءات السككية لدول منظمة شنغهاي”. ويجري ضمن هذا الإطار اتخاذ خطوات عملية لتطوير الممرات البرية الجديدة والحالية التي تشمل كامل الفضاء الأوراسي. وتشمل المسارات الاستراتيجية المطروحة مسار “الصين – قيرغيزستان – أوزبكستان – تركمانستان – إيران – تركيا – أوروبا”، ومسار “دول رابطة الدول المستقلة – أوزبكستان – أفغانستان – باكستان” للوصول إلى موانئ المحيط الهندي.
وعشية قمة المنظمة المقبلة، تؤكد أوزبكستان مجددًا استعدادها لتشكيل منظومة نقل مستدامة ومترابطة ومنفتحة تركز على تنمية طويلة الأمد ومفيدة لجميع الأطراف في المنطقة.
ومن المخطط أن يكون مقر إدارة المجلس في العاصمة طشقند، بالإضافة إلى إنشاء “المركز الدولي للخدمات الرقمية للنقل”، والذي سيكون عنصرًا مهمًا في التحول الرقمي للبنية التحتية للنقل واللوجستيات في فضاء المنظمة.
ولا شك أن جميع هذه المبادرات ستعزز الإمكانات النقلية واللوجستية للمنطقة، وتنمّي التجارة بين دول أوروبا، ورابطة الدول المستقلة، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وجنوب آسيا.
ولهذه الأهداف، تواصل أوزبكستان تطوير بنيتها الأساسية الداخلية للنقل : إذ يستمر كهربة خطوط السكك الحديدية، ويتم تحديث أسطول العربات، وتوسيع شبكة الطرق السريعة، خاصة مع إعداد دراسة جدوى لخط منفصل عالي السرعة بين طشقند وسمرقند. ومن المتوقع أن تصل خلال هذا العام ستة قطارات حديثة من طراز Hyundai Rotem للعمل على خط طشقند – خيوه عالي السرعة، فيما يستمر تطوير البنية التحتية اللوجستية والخدمات على الطرق.