بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الأسماء بين الماضي والحاضر..

رحمة بنت مبارك السلمانية

 

 

الأسماء لها تأثير قوي على حياة الأشخاص وسماتهم وعلاقاتهم وسلوكياتهم وطرق تفكيرهم وتكوين شخصياتهم، كما أن الاسم يشكل ويحدد الانطباع الأول عن الأشخاص في الغالب، وهو ما يدفعنا إلى بناء تصور مبدئي عنه سواء كان سلبي أو إيجابي، بناءً على خلفيتنا الثقافية أو التجارب السابقة أو الصور النمطية المرتبطة بذلك الاسم، فالأسماء التقليدية أو الشائعة توحي بالموثوقية، والأسماء غير المألوفة قد تثير الفضول أو الدهشة أو تعطي انطباعاً بالتفرُّد والتميُّز، لذلك فإن الاسم يعني لصاحبه أو حامله الكثير كونه مر تبط به منذ ولادته، حيث يطلقه عليه أبويه في أغلب الأحيان بعد انتقائه بعناية وترشيحه من بين عدة أسماء؛ تعبيراً عن فرحتهما واعتزازهما بمولودهما وحبهما الكبير له، فهما يختاران له أجمل الأسماء وأحسنها من وجهة نظرهما على الأقل؛ لأنهما يؤمنان بأن مولودهما أثمن الأشياء وأغلاها، لذلك فإن معظم الناس يحافظون على أسمائهم ويتمسكون بها لآخر لحظة من العمر، بل يعتزون ويفتخرون بها بغض النظر عن معناها أو أصلها أو مصدرها.

قبل عقود قليلة كان الأجداد والجدات والآباء والأمهات يطلقون أسماء قوية ومميزة وبرّاقة على أبنائهم أو أحفادهم من وجهة نظهرهم في ذلك الوقت، فكانوا كثيراً ما يربطون اسم المولود بالظروف المكانية والزمانية والأحداث، فعلى سبيل المثال يسمى المولود حسب اليوم أو الشهر أو الفصل أو الحدث الذي صادف يوم ميلاده مثل: خميس، جمعة، رجب، شعبان، رمضان، ربيع، عيد وغيره، وأحيانا يكون اسم المولود مستوحى من البيئة التي حولهم بما فيها من طبيعة وجبال وصخور ونباتات وحيوانات، لذلك فإن أسماء البدو تختلف نوعاً ما عن أسماء نظرائهم من الحضر؛ تبعاً لاختلاف لهجاتهم وطبيعة الحياة لديهم والبيئة التي ينشئون فيها، وقد يُسمى المولود تيمناً بأسماء الأنبياء والخلفاء الراشدين، والصحابة والعلماء والأئمة والتابعين، أو يُسمى بأسماء الشخصيات المعروفة من القادة العرب والسياسيين والأُدباء والعظماء من القُضاة والوُلاة، ولإضفاء المزيد من القوة والهيبة والفخامة على بعض الأسماء فإنها تُعرَّف بأل التعريف.

أما في العصر الراهن فيبدو أن هناك فئة مع الحداثة وضد تسمية الأبناء بأسماء الأجداد والجدات، باعتبارها أسماء قد أكل عليها الدهر وشرب، ولا يمكنها أن تصمد في وجه رياح العصر المتجدد المليء بالتقلبات المتسارعة والتحديثات المتلاحقة، ولكن المثير للجدل أن الأمر قد تعدى مداه وبلغ السيل الزُبى، فهناك من يطلقون على أبناءهم أسماء عجيبة غريبة لا يعرفون حتى معانيها، أو أسماء غامضة تثير الكثير من التساؤلات وتفضي إلى العديد من التأويلات، بل الأدهى والأمر من ذلك أن تكون في بعض الأحيان أسماء لا معاني لها في الأصل، أو أسماء ذات معاني سيئة أو مهينة أو لها إيحاءات سلبية، أو أسماء أعجمية أو غربية لا تمت لمجتمعنا العربي والإسلامي بصلة، المهم فقط أنهم يواكبون التغيير والحداثة والتفرُّد بأي شكل من الأشكال خشية أن تحذفهم ذاكرة الحياة المعاصرة.

كما أن هناك أشخاص قرروا أن يختاروا أسمائهم بأنفسهم، إذ يبدو أن تغيير الاسم أصبح شيء سهل وعادي جداً عند البعض، كثوب يمكن خلعه واستبداله بآخر في أي وقت مثلما يُغير الثعبان جلده، كما يبدو أن هناك فئة يعشقون التغيير في كل شيء ومواكبة الموضة حتى في الأسماء، ويبدو أن الاناث يسعين إلى تغيير أسمائهن أكثر من الرجال وبدون أسباب واضحة أحياناً، فهل الاسم هو هوية لا تُنسى أم قيد يجب أن يُكسر؟!، للأسف الشديد هناك مَن لا يحبون أسمائهم ويعتقدون أنها لا تمت لهم بصلة ويسعون إلى تغييرها بدون تردد، فهناك من يقوم بتغيير اسمه بعد أكثر من عقد من الزمن لأسبابه الخاصة كمن يحاول الهرب من ماضيه، كما أن هناك من يربط فشله أو تكرار تعثره في حياته العلمية أو العملية أو حتى الاجتماعية باسمه، فالبعض قد يلجأ إلى تغيير اسمه عند حدوث تحوّل في الحالة الاجتماعية كالزواج أو الطلاق أو الترمّل على سبيل المثال، وينظر إلى الاسم الذي أطلقه عليه والداه منذ مولده بعين الشؤم والاشمئزاز، فيسارع إلى الخلاص منه باستبداله باسم آخر أقرب إلى نفسه، وهناك من يقومون بتغيير أسمائهم لأسباب نفسية كعدم الثقة بالنفس وعدم الشعور بالرضا أو الشعور بالنقص، أو الرغبة في الحصول على بداية جديدة، والرغبة في إثارة الاهتمام وجذب الانتباه، أو بسبب الإعجاب بشخصية ما أو الرغبة بتقليد بعض الشخصيات المشهورة، كما أن هناك من يقوم بتغيير اسمه فقط لأنه لم يعجبه أو لا يحبه ولا يتناسب مع شخصيته وطبيعته.

قديماً كان بعض الآباء والأجداد يعمدون إلى تغيير اسم الطفل لاعتقادهم بأنه قد يكون سبباً في إصابته بالعلل والأمراض أو لاعتقادهم بأنه فأل سيء على صاحبه، لكن تغيير الأسماء في الوقت المعاصر أصبحت له أسباب مختلفة تتباين من شخص لآخر، فهناك من يرى ان اسمه أصبح غير مناسب للعصر الحالي وأن اسمه لا بد أن يُمحى من الحاضر؛ لأنه لا يتماشى سوى مع العصور الماضية وهو مرتبط فقط بالسجلات التراثية القديمة واستحالة أن يصحبه إلى المستقبل، ومنهم من يرى أن اسمه أصبح غير ملائم لمنصبه القيادي أو دوره المهم في المجتمع، ومنهم من يحمل اسماً مركباً أو معقداً يصعب نطقه، أو اسماً يحمل دلالات غير مستحبة تشعره بالاستياء أو الاضطراب والحرج أو تثير تنمّر الآخرين عليه، لذلك يعمد إلى تغييره مضطراً ليعيش بسلام.

من وجهة نظري الشخصية وبعيداً عن المقارنات والاستنتاجات، فإنه بالطبع من حق أي شخص أن يحظى باسم جميل ذو معنى ودلالة حسنة، ليمنح صاحبه نظرة إيجابية وصورة مشرقة ويترك انطباع جيد لدى الآخرين، ولكن تغيير الاسم ليس بالسهولة التي يراها البعض، خاصة إذا كان ذو معنى حسن ويحمل صفات طيبة، وغير مسبب للإحراج وليس بغريب أو ذو مدلولات مسيئة أو مهينة، لأن الاسم ليس مجرد حروف أو وسيلة للنداء والتعريف فقط، ولكن هو عنوان للشخص وهو كيان عاش من خلاله وبصحبته الكثير من التجارب والمواقف والسنوات والذكريات، قد يكون محوه من الوثائق والسجلات والأوعية سهل جداً، ولكن لا يمكن ان يُمحى من الذاكرة والأمكنة والأزمنة بالسهولة ذاتها، وأيضاً ليس من السهولة أن ننزع الاسم عن شخص نعرفه منذ مدة فهو هويته ووطنه وروحه، فالاسم يبقى جميلاً برّاقاً وخالداً في الذاكرة؛ لأنه يحمل الكثير من صفات صاحبه وملامحه ومزاياه وسمعته وصيته حتى وإن لم يكن مثالياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى