بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الأمة‬⁩ العربية بين ثقافة الريع وثقافة النهضة..

الدكتور عدنان بن أحمد الأنصاري

محلل سياسي ،ودبلوماسي ، وسفير سابق

 

‏⁧‫يا‬⁩ من تحملون في أعماقكم ميراث حضارة صنعت التاريخ وعلّمت العالم معنى القوة والعلم والعدل… أنظروا إلى واقعكم اليوم، تجدون أنكم لستم فقراء في الأرض، ولا عاجزين عن النهوض، بل أنكم أغنياء بالموارد، فقراء بالثقافة، تملكون التاريخ ولا تملكون الرؤية، تعيشون على ذكريات الأمجاد بدل أن تصنعوا أمجادًا جديدة.

‏⁧‫لقد‬⁩ خدعكم النفط، كما يقول المفكرون، وأوهمكم بالاطمئنان والرخاء، فأطفأ فيكم جذوة الحاجة إلى الإبداع والابتكار.
وها أنتم اليوم، في زمن لا يحترم إلا الأقوياء، تجدون أنفسكم على هامش معادلات القوة.
فالمشكلة ليست في غياب الثروات، بل في غياب الثقافة التي تحول الثروة إلى حضارة، والمعرفة إلى قوة استراتيجية.

‏⁧‫إننا‬⁩ نعيش تاريخًا بلا وعي، ونردد شعارات بلا فعل.
‏⁧‫نفتخر‬⁩ بالماضي، لكننا عاجزون عن تحويله إلى رؤية مستقبلية.
‏⁧‫نملك‬⁩ المال، لكننا نقدسه بدل أن نوظفه في بناء اقتصاد معرفي منتج.
‏⁧‫نملك‬⁩ التعليم، لكنه تعليم يخرج حافظين لا مبدعين، موظفين لا قادة.

‏⁧‫نعيش‬⁩ في مجتمعات يغلقها الاستبداد، ويُكبّلها الخوف، فلا يولد العقل الناقد، ولا يثمر الحوار.

‏⁧‫وهكذا‬⁩ أصبح العالم العربي مستهلكًا للتاريخ بدل أن يكون صانعًا له، ومسرحًا للتدخلات بدل أن يكون لاعبًا رئيسيًا في صناعة القرار الدولي.

‏⁧‫السياسة‬⁩ هي فن استباق المستقبل»، والمستقبل يا عرب، لن يُمنح لكم صدفة، بل يُنتزع انتزاعًا ببناء ثقافة جديدة :

‏1. ثقافة التعليم المنتج :
‏⁧‫تعليم‬⁩ لا يلقن بل يحرر العقول، لا يحشو المعلومات بل يصنع المبدعين، لا يخرج تابعين بل قادة وروادًا.

‏2. ثقافة الاقتصاد المعرفي :
‏⁧‫من‬⁩ اقتصاد النفط والريع إلى اقتصاد الابتكار والاختراع، من التبعية التكنولوجية إلى الريادة العلمية.

‏3. ثقافة الحرية والمشاركة :
‏⁧‫الحرية‬⁩ ليست ترفًا، بل شرطًا لبناء العقل الناقد.
الاستبداد السياسي لا يورِّث إلا التخلف، أما المشاركة والحوار فهي التي تخلق الثقة بين الحاكم والمحكوم.

‏4. ثقافة التاريخ كرؤية لا كرواية :
‏⁧‫التاريخ‬⁩ ليس متحفًا للبكاء على الأطلال، بل مختبرٌ لاستخلاص الدروس، وبوصلةٌ للتوجه نحو المستقبل.

‏⁧‫الحل‬⁩ العربي للخروج من الأزمة من خلال:

‏• إعادة بناء الثقافة لتصبح مشروعًا حضاريًا جامعًا، لا زخرفًا فكريًا.

‏• الاستثمار في الإنسان العربي كأغلى وأعظم مورد.

‏• تحرير القرار السياسي من الاستبداد والخوف، ليكون قرارًا قادرًا على التغيير.

‏• تبنّي ثورة معرفية تنقلنا من “أمة مستهلكة” إلى “أمة منتجة” للعلم والثقافة والقوة.

‏⁧‫إن‬⁩ اللحظة التاريخية لا تنتظر المترددين؛ فإما أن ننهض بثقافة جديدة تجعلنا أمة فاعلة في موازين القوة العالمية، وإما أن نبقى أسرى “ثقافة الريع” حتى يطوينا التاريخ.

‏⁧‫المستقبل‬⁩ لا يرحم الضعفاء، والتاريخ لا يعترف إلا بمن يمتلك رؤية وثقافة وقوة.

‏فلتكن رسالتنا للعالم :
‏⁧‫نحن‬⁩ العرب لسنا حكاية من الماضي، بل مشروع للمستقبل. لسنا رواية ممزقة، بل حضارة تعود من جديد لتأخذ مكانها الطبيعي بين الأمم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى