أثر خفي

ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف وتطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال

“الشخص الذي يشعر أنه مقدَّر سيعطي دائمًا أكثر مما هو متوقع منه”

التقدير ليس مجرد كلمة عابرة أو تصرف عابر، بل هو الدافع الأساسي الذي يُحفّز الإنسان لتقديم أفضل ما لديه، بل وأكثر مما يعتقد أنه قادر عليه.

عندما يشعر الإنسان أن جهوده مرئية، وأن ما يقدمه يلقى صدى واحترامًا، يتحول العمل من مجرد واجب إلى شغف، ومن التزام إلى إبداع.

التقدير .. طاقة خفية تصنع المعجزات..

كثيرون هم الذين وصلوا إلى قمة النجاح ليس لأنهم الأذكى أو الأقوى، بل لأنهم وجدوا في بيئتهم من يقدر جهدهم ويمنحهم الثقة، على العكس هناك من امتلكوا مواهب عظيمة، لكنهم لم يجدوا من يقدرهم، فتلاشت طاقتهم، وخبا نورهم في زوايا الإحباط.

التقدير يخلق بيئة صحية للعمل والإبداع، يدفع الإنسان لتجاوز حدود المستحيل، ويمنحه القوة لمواجهة التحديات.
الموظف الذي يشعر بأن مجهوده مقدّر لن يتوانى عن بذل المزيد، والصديق الذي يجد الامتنان في عيون من حوله سيظل حاضرًا، والعلاقة التي تُبنى على التقدير لن تذبل بسهولة.

لماذا يرحل الناس؟!..

كثيرون يعتقدون أن أسباب الرحيل في العمل أو العلاقات تتعلق بالمال أو الظروف، لكن الحقيقة أن السبب الرئيسي هو غياب التقدير.
عندما يشعر الإنسان بأن وجوده غير مهم، وأن جهوده تمر دون ملاحظة، يبدأ بالتراجع، ثم ينطفئ، وأخيرًا يرحل.

في المقابل حين يجد الإنسان التقدير، يتجاوز المشكلات، يتحمل الصعوبات، ويبحث عن حلول بدلًا من الاستسلام، لأنه ببساطة يشعر بأنه ذو قيمة.

كيف نُقدّر الآخرين؟..

التقدير لا يعني فقط المديح أو الكلمات اللطيفة، بل يتجلى في أفعال بسيطة ولكنها عميقة الأثر :

– الاعتراف بالمجهود : لا تنتظر أن يطلب الآخرون منك أن تلاحظ ما يفعلونه، بل كن المبادر.

– الكلمة الطيبة : شكر بسيط أو إقرار بمجهود أحدهم قد يكون دافعًا لإنجاز أكبر.

– التقدير المادي والمعنوي : التقدير لا يكون بالكلمات فقط، بل يمكن أن يكون بزيادة ثقة، ترقية، أو حتى هدية رمزية.

– إظهار الاحترام : لا تستخف بأي مجهود، فكل شخص يبذل قدر استطاعته.

– الإنصات والتفاعل : أن تستمع باهتمام لما يقوله الآخرون هو شكل من أشكال التقدير.

التقدير مفتاح الاستمرارية..

عندما نشعر بأننا مقدَّرون، نتحول إلى أشخاص أفضل، ننجز، نبدع، ونتجاوز توقعاتنا، وعندما نفتقد التقدير، نصبح مجرد أشباح تائهة، نبحث عن مكان آخر يمنحنا الشعور الذي فقدناه.

في النهاية، التقدير ليس رفاهية، بل هو ضرورة، فالأشخاص لا يرحلون لأنهم وجدوا فرصة أفضل، بل لأنهم لم يجدوا ما يستحق البقاء.