رأس الحَـد .. المقومات السياحية بين الجمال والإهمال..
الكاتب / سالم بن حمد الحكماني
رأس الحَـد .. المقومات السياحية بين الجمال والإهمال..
هناك العديد من بلدان العالم تعتبر السياحة مصدرا هاما من مصادر اقتصادها ورافدا حقيقيا مهما لميزانيتها ، لذلك فإنها تعول على الجوانب السياحية والترفيهية الكثير والكثير ، وتعلق عليها آمالا كبارا بتسخير كافة إمكاناتها للنهوض بهذا القطاع الحيوي الهام ، وضمن اهتمام هذه الدول بهذه الجوانب فإنها تنتقي خيرة شبابها لصناعة هذا القطاع من ذوي الخبرة وذوي الابداع ، ومن لهم القدرة على الدفع بهذا القطاع نحو تحقيق رؤية مستدامة ضمن خطط مدروسة وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع ، وبعيدة كل البعد عن محاكاة واقع يصعب تحقيقه انطلاقا من دراسة كافة المقومات السياحية والبيئية والطبيعة الجغرافية وتنوع وثراء المكان والتي تتمتع بها عماننا الحبيبة ، وقد تختلف هذه المقومات عن مقومات وطبيعة وجغرافية بلدان أخرى ، غير انه يمكن الاستعانة بخبرات الدول الأخرى في هذا المجال ، وحيث ان القطاع السياحي يحتاج الى عقول شابة تديره مستعينة بتجارب الاخرين كان لزاما ان يدار هذا الجانب ضمن ديناميكية حية تراعي استحداث أفضل الطرق والأساليب والتقنية للاستفادة من طبيعة الأماكن السياحية الجميلة المنتشرة في كل ربوع بلادنا الغالية من أقصاها الى أقصاها.
ومن هذا المنطلق نتساءل أين صاحب شعار {السياحة تثري} ؟!! اين اختفى ؟!! لم نسمع له حسًّا ولم نجد له أثرا !! أين صاحب هذا الشعار الرنّان ؟! لم نرَ أيَّ ثراء في الجوانب السياحية في بلادنا العزيزة ، إلا أننا نسمع فقط صوت الرعد ونرى وميض البرق وعندها نقول لعلها ستمطر، ولكن تمر هذه الدعايات وهذا النعيق المتكرر كسحابة صيف عابرة والأرض ما زالت مجدبة !!.
لا أتذكر بالضبط متى تم إطلاق هذا الشعار ومتى تم طرحه ؟ ولكنني أتذكر جيدا أنه كان لترويج الجانب السياحي في بلادي العزيزة عُمان ، هذا الشعار كان للترويج الكلامي والهلامي ولم يكن للترويج الفعلي الإجرائي المصحوب بالعمل والتنفيذ على واقع الأرض التي كانت ولا زالت تحتاج الى عقول لعمارتها سياحيا وليس لعجول لتسرح وتمرح فيها ضاربة بمقوماتها السياحية الهامة الجميلة – بل الرائعة – عرض الحائط ، عجول بدون عقول تسعى لتمكين نفسها ومصالحها الشخصية وتقديمها على مصالح الوطن الذي أعطى الكثير والكثير دون أن يسأل ماذا أعطى ؟ ولمن أعطى ؟!! ولكنه أعطى عطاءً كان يستحق الاهتمام والرعاية والإخلاص والوفاء ، ولكن للأسف أعطي الاهتمام السياحي والجمالي والترفيهي لأناس لم يعرفوا معنى السياحة أصلا ناهيك عن الاهتمام بهذا الجانب.
الاهتمام بالجوانب السياحية يجب أن يعطى ويسلم ويؤتمن لشاب طموح يقدر ماذا تعني السياحة لوطن يمتلك كل المقومات السياحية الهامة من الالف الى الياء ، ويسلم ليد أمينة تنظر لمصالح الوطن فقط – وليس إلّا الوطن – من منظور الحب والولاء والتضحية والإخلاص لترابه حبا ذاتيا نابعا من صميم القلب يقدم بمقتضاه كل تضحياته وخططه وعصارة تجارب أفكاره للنهوض بهذا القطاع الحيوي الهام.
أتذكر مقولة سابقة لأحد المسؤولين علّق عليها آنذاك الكثير من المغردين والكتاب والمهتمين والباحثين في الجوانب السياحية بالاستهزاء والسخرية والازدراء والسُّخط ، لأنها صدرت في ذلك الحين لتلميع صورته وصورة وزارته ، هذه المقولة كانت تتمحور حول : {تحويل سلطنة عمان سياحيا الى نرويج الشرق الأوسط} وقد انتظرنا طويلا والنفوس تتوق الى ان تتحول عمان الى نرويج الشرق الأوسط ، ولكننا لم نرَ تحولا يذكر ، وعشنا نرقب ونترقب ولادة هذه اللحظة التي طال امدها إلى أبعد الحدود ، لنجد أنفسنا نقف على أشلاء أماكن سياحية تفتقر الى ادنى مستويات ما يتطلبه الزائر للمكان وهو وجود دورات مياه بالمسمى والمعنى الحقيقي لها ، فكان للمساجد ودورات مياهها الفضل الكبير في احتضان السائح وأسرته وأولاده ليؤدّون صلواتهم المكتوبة لعدم توفر المكان وفي قلوبهم غصة وحسرة وندامة على جماليات الأمكنة التي لم تستغل الاستغلال الأمثل في ظل وجود إمكانيات رهيبة كانت يمكن ان تسخر لعمارة المكان وتحويله الى طبيعة غناء ، ومكان لرفاهية الزائر والسائح ليعيش حلم طال انتظاره لسنوات عديدة ، ولكنه للأسف زار المكان للمرة الثانية والثالثة والرابعة ولم يجد أي فرق يذكر بين زياراته.
تعتبر نيابة رأس الحد بولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية من بين أفضل الأماكن السياحية وأفضل الوجهات التي يقصدها السياح من كل بلاد العالم نظرا لتمتعها بمقومات سياحية طبيعية خلابة وشواطئ بكر تأسر الالباب ، إضافة الى وجود أخوار جميلة ذات تعرجات بديعة ناهيك عن الجزر الصغيرة المنتشرة هنا وهناك ، وما يميز نيابة رأس الحد انها منطقة ذات طقس متميز ، فهو معتدل صيفا وبارد شتاء لوقوعها على ضفاف بحرين : بحر عمان وبحر العرب مما أكسب موقعها طبيعة جمالية متفردة حيث الرمال الذهبية الناعمة والشواطئ النادرة الوجود مقارنة بمثيلاتها من المناطق السياحية الأخرى ، وبالرغم من هذا الجمال الطبيعي الخلاب الا انها ما تزال بعيدة عن انظار صناع السياحة وصناع القرار الذين يتغنون بالشعارات البراقة ، ويتفاخرون بالخطط الانيقة التي تزين ادراج وجدران مكاتب المسؤولين ، والتي يتم الرجوع اليها للتفاخر كلما ذكرت السياحة وكلما زارت الوفود للاطلاع على خططنا في الارتقاء بهذا الجانب الهام لنقدم لهم تعريفا هاما ومنطقيا لمعنى السياحة على الورق ، وان هناك نماذج تم وضعها من قبل بيوت خبرة في المجال السياحي ، وقد زودونا بهذه النماذج وهذه المخططات مقابل حفنة من المال كان الأولى ان تعطى لشاب من شباب البلد الأصيل كان قادرا على تزويدنا بأفضل منها بآلاف المرات ، لكن فقط ينظر اليه على انه خبرة والاجنبي سبقه بكلمة بيت ، فاصبح العماني خبرة والاجنبي بيت خبرة وشتان بين هذا وذاك !!.
رأس الحد طبيعة بكر غنّاء تشتكي الإهمال الزائد وعدم الاهتمام بما تحتويه من كنوز سياحية وثقافية وحضارية ، ولولا التركيز على الجوانب الحضارية والثقافية من خلال الحفريات والاكتشافات المتتالية التي اثبتت عراقة وأصالة هذا الكيان التاريخي الهام لما عرفت رأس الحد ولما اشتهرت هذه الشهرة العالمية التي زادتها عراقة واكسبتها حب كل من زارها ، ناهيك عن اشتهارها بوجود نوع فريد من السلاحف وهي السلاحف الخضراء النادرة وفصائل متنوعة من أنواع سلاحف أخرى ، كل ذلك جعلها محط أنظار محبي الطبيعة ، ورواد الجمال ، وعشاق نسايم البحر عند شروق شمس الصبح الأصيل للتمتع بمنظر شروق الشمس الجميل والانيق وهي تشرق على أول بقعة من ارض الوطن العربي ، على أرض بلد الشروق رأس الحد.
رأس الحد مقومات سياحية جميلة في طي النسيان في بلد خلق جميلا في طبيعته الربانية المتنوعة بين الشواطئ والاخوار والجزر والتكوينات الصخرية ، وكذلك السهول والوديان والكثبان الرملية إضافة الى طقسه الجميل ، تحتاج فقط الى من يضيف عليها عصارة أفكار نيرة ليصبح الجميل أجمل وأجمل ، لا نطالب باستحداث أماكن سياحية من العدم ولكننا نطالب فقط بالاهتمام بما هو موجود أصلا ، ونجزم قطعا ان الاهتمام بهذا الجانب واخذه في الحسبان وتطويره وتحسينه وتجميله سيضيف الى اقتصادنا إضافات رائعة من خلال ما يصاحب السياحة من انتعاش اقتصادي وتجاري ، وتعريف بالموروث الحضاري والثقافي والفني ، وإعطاء صورة رائعة عن سلطتنا الجميلة وانها دولة تولي الجوانب السياحية والحضارية والثقافية والفنية جل اهتمامها وتسخر كافة الإمكانات المتاحة للارتقاء بهذه الجوانب الحيوية الهامة .
نعم
السياحه تثري
أحسنت