بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

من مصانع السلاح إلى مشرّعي “الرحمة”..

الدكتور/ عدنان بن أحمد الأنصاري

سفير سلطنة عمان لدى دولة الكويت سابقاً

 

العدل‬⁩ لا يُقاس بما يُكتب في الدساتير، بل بما يُسكب من دماء في صمتها. ‏⁧‫وفي‬⁩ عصرٍ تعلو فيه صرخة الدجاج على أنين البشر، يصبح الصمت خيانة، وتصبح “الرحمة الانتقائية” عنوانًا لحضارة تنهار تحت تناقضاتها. ‏⁧‫وإن‬⁩ لم يتحرك الضمير العالمي، فعلى الأقل لا بد أن تتحرك الأمم التي لم تُبع ضمائرها في بورصة القيم الغربية.

‏⁧‫القيادة‬⁩ ليست مجرد قوة عسكرية أو اقتصادية، بل قدرة على إقناع الآخرين بشرعية ما تفعله.. وعلى‬⁩ العالم العربي والإسلامي أن يُعيد تصدير مفهوم الرحمة والعدالة الشاملة من منطلق قرآني وإنساني، بحيث لا يُختزل الحق في الكائن الأعزل بينما يُنسى المظلومون في العراء.

‏⁧‫من‬⁩ المتوقع أن تشهد الساحة الدولية في العقد القادم تصادمًا حضاريًا ناعمًا حول تعريفات العدالة والرحمة والحق، وليس فقط صراعات اقتصادية وجيوسياسية.

‏الصين على سبيل المثال؛ تتجه إلى نموذج براغماتي أخلاقي خاص.
‏روسيا تسعى إلى استعادة نموذج “القوة العادلة”.
‏العالم العربي و الإسلامي بحاجة إلى بناء نموذج ثالث يُزاوج بين القيم الأخلاقية والمصالح الواقعية.

‏⁧‫إن‬⁩ لم نشارك في صياغة مفاهيم العدالة العالمية، فستُفرض علينا مفاهيم لا تنصفنا، ولا تعترف بنا.

‏ما يحصل في كاليفورنيا اليوم، ومن ورائها النظام الأمريكي، هو تآكل تدريجي في شرعية أخلاقية بناها الغرب منذ عصر التنوير، لكنه اليوم يسحقها بيده.

‏⁧‫ازدواجية‬⁩ الرحمة ومأساة التوحّش المقنّن : عن حقوق الدجاج ومجازر الإنسان..

‏في أحد أكثر مشاهد القرن الحادي والعشرين تناقضًا، تنشغل نخبة سياسية وتشريعية في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بإصدار قوانين تُعلي من شأن “حقوق الدجاج” – قوانين تُحرّم تقييد حركة الدجاجة، وتفرض شروطًا لراحتها في النوم والرقاد، وتُدين كل ما يُقيد جناحيها عن الامتداد.

‏وفي التوقيت ذاته، تُصدّر الولاية نفسها، عبر مصانعها الحربية مثل : “لوكهيد مارتن” و “نورثروب غرومان” و “رايثيون تكنولوجيز”، أدوات القتل الذكي التي تمطر بها أجساد المدنيين، لا سيما في غزة، حيث يُذبح الإنسان تحت صمت عالمي وتواطؤ قانوني.

‏هذه ليست مفارقة إعلامية، بل تعبير عن أزمة عميقة في بنية النظام الدولي القائم : رحمةٌ تُسنّ لحيوانات لا تَعقِل، وقسوةٌ تُمارس ضد بشر يئنّون.

‏⁧‫فحين‬⁩ تُصنّع حضارةٌ خطابًا أخلاقيًا صارخًا، بينما تمارس في الميدان سلوكًا مضادًا، فإنها تُراكم ضد نفسها رصيدًا من انعدام الثقة يُفقدها قوتها الناعمة ويُضعف نفوذها الاستراتيجي.

‏⁧‫الحضارة‬⁩ حين تخون الإنسان..

‏انهيار الحضارات لا يبدأ بالسيف، بل بانحراف المنظومة الأخلاقية نحو الانتقائية.
‏فالرحمة التي تُمارس على الحيوانات في سياق حضاري، وتُمنع عن الإنسان في سياق آخر، هي ليست تعبيرًا عن رُقي، بل علامة انحطاط خفيّ مغلف بلغة قانونية معولمة.
‏⁧‫حين‬⁩ تصبح الرحمة سلعةً تُنتج بحسب العِرق والمكان، فإن الحضارة تكون قد دخلت مرحلة ما قبل سقوطها”.

‏نقطة الارتكاز في هذه الوثيقة ليست العاطفة، بل البنية المؤسسية..

‏⁧‫الشركات‬⁩ التي تصنع الطائرات المقاتلة والصواريخ الذكية في كاليفورنيا، تدفع ضرائب تموّل بها الولاية. ‏الولاية تصدر قوانين تُظهر إنسانية تجاه الحيوانات. ‏الإعلام يُصدّر هذه الصورة عالميًا لتغليف “الديمقراطية الأمريكية” بمسحةٍ رقيقة. ‏لكن في العمق، الآلة التي تصنع الرحمة للدجاج، تصنع القتل للأطفال في فلسطين. ‏⁧‫يجب‬⁩ تحويل هذه المشاهد إلى أدوات ضغط في الإعلام الدولي والمحافل القانونية – لا لكسب التعاطف فقط، بل لضرب أسس شرعية السلوك الغربي في ساحات الصراع.

‏فَضْحُ شبكة العلاقة بين التشريع المحلي والصناعة الحربية..

‏⁧‫معظم‬⁩ القوانين التي تصدر لحماية الحيوان تُستخدم داخل الولايات الأمريكية لكسب الرأي العام الداخلي، لكنها تخفي وراءها صناعات تموّل حروبًا لا أخلاقية باسم “القيم الغربية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى