بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

بين عقارب الساعة..

ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف وتطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال

 

ثمة صوت خفي بين عقارب الساعة، لا تسمعه الأذن بل تصغي له الروح. صوت يشبه همسًا داخليًا يتغير لحنه مع تغيّر اللحظة، ومع تغيّر مشاعرنا نحو الزمن نفسه. الدقيقة في ذاتها مجرد وحدة قياس، لكنها في وعينا تجربة كاملة، عالم صغير من المعاني والانفعالات.

فدقيقة الانتظار ليست كدقيقة الرحيل، ودقيقة ما قبل النوم ليست كدقيقة اللقاء الأول. نحن لا نحيا الزمن، بل نحيا ما نشعر به خلال عبوره. فالساعة لا تتبدل، لكننا نحن من نغيّر دلالتها.

في دقيقة الانتظار، تمتد الثواني وكأنها دهور، يتباطأ الوقت تحت وطأة الترقب، وتتحول عقارب الساعة إلى سياط من قلق. أما دقيقة الوداع، فهي مزيج من امتنان عابر وحسرة باقية، نحاول فيها أن نخبئ مشاعرنا داخل نظرة أو لمسة أخيرة.

وهناك دقيقة أخرى، دقيقة ما قبل النوم، حيث لا ضجيج سوى صوت الذات، وصوت عقارب الساعة وكأنها تسألنا عن صدقنا مع أنفسنا: “هل كنت كما أردت أن أكون اليوم؟” في تلك اللحظة، يتقلص الكون إلى فراش صغير وصمت كثيف، ونشعر أن الدقيقة أطول من يوم.

وفي العمل، الدقيقة الأخيرة قبل انتهاء الدوام تختلف بين شخص وآخر: للبعض خلاص، وللبعض الآخر انقطاع عن شغف، أو ترقب للغد. لكنها دائمًا دقيقة كثيفة، تحمل وقع الإنجاز أو خيبة التأجيل.

الزمن ليس محايدًا كما يدّعي الفيزيائيون، إنه مرآة داخلية، يعكسنا لا كما نحن، بل كما نشعر. فالدقيقة التي نبكي فيها، غير الدقيقة التي نضحك فيها، وإن كانت ذاتها في حساب الساعة.

ربما لهذا السبب، لم يستطع أحد أن يعانق اللحظة تمامًا، لأنها دائمًا تتلون بما في داخلنا، لا بما حولنا. الزمن، في جوهره، ليس خارجيًا فقط، بل داخلي… ينبض فينا كما تنبض قلوبنا، ويُسمع فينا كما يُسمع صوت الصمت بين دقات الساعة.

فحين تنصت لصوت عقارب الساعة، لا تستمع إلى الوقت… بل إلى نفسك.

تعليق واحد

  1. رائعة في الطرح هناك عمق واتحاد رائع مع الذكاء الكوني

    فالافكار والاحاسيس والمشاعر والامنيات تؤثر على العالم الفيزيائي من خلال وسيط كوني ) الكوانتوم(

    احرص دائما على أن تكون أفكارك ومشاعرك واحاسيسك إيجابية ومفعمة بالحب ،، عندما تفتح عينيك صباحا ادع للعالم بالخير والامتنان ،،وقبل ان تغلقها في المساء نظف قلبك من كل المشاعر السلبية ..

    تمنياتي لكي بكل توفيق ونجاحات لا حدودلها

    صبرة البوسعيدية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى