بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

‏⁧‫السيادة‬⁩ لا تُحترم بالتصريحات بل بالمخالب التي تَجرح كل من يقترب منها..

الدكتور/ عدنان بن أحمد الأنصاري

دبلوماسي وسفير سلطنة عُمان في دولة الكويت سابقاً

 

‏”حين تُستخدم القيم الإنسانية لتبرير التدخل العسكري، يُدفن القانون الدولي تحت أنقاض النوايا المشبوهة”.

‏⁧‫إن‬⁩ من يستهين بما يجري في السويداء اليوم، سيجد التدخل ذاته غدًا في الشمال العراقي، أو الجنوب اليمني، أو شرق ليبيا. فالنموذج واضح، والتمهيد مفضوح، والأدوات يُعاد تدويرها.

‏⁧‫”حين‬⁩ يُسمح لقوة أن تعيد تعريف القانون بحسب مصلحتها، فإننا لم نعد في نظام دولي بل في إدارة استعمارية جديدة”.
‏لذا، فإن الدفاع عن السيادة السورية في السويداء ليس دفاعًا عن دمشق وحدها، بل عن مفهوم السيادة في العالم العربي كله.
‏⁧‫الردع‬⁩ لا يكون بالاحتجاج، بل بخلق “كابوس استراتيجي” أمام الخصم، بحيث يُدرك أن أي محاولة لاختراق السيادة السورية ستفتح عليه بوابات النار من حيث لا يتوقع.
‏⁧‫وإن‬⁩ لم يتم تبني هذه المنظومة الردعية، فسيُعاد استخدام ذات الأسلوب في العراق (حماية الأيزيديين)، وفي اليمن (حماية البهائيين)، وفي لبنان (حماية المسيحيين)، وصولًا إلى تفكيك الكيانات العربية بالكامل باسم الأقليات.

‏تُعد السويداء اليوم خط التماس الجديد في مشروع اختراق سيادة الدول عبر ذرائع إنسانية مموهة، يُراد له أن يتحوّل إلى نموذج اختراقي معتمد في العلاقات الدولية الحديثة، وتحديدًا يأتي التحرك الإسرائيلي الأخير تحت عنوان “حماية الطائفة الدرزية” في جنوب سوريا، مدعومًا من الحليف الأمريكي، ليشكل تحولًا نوعيًا وخطيرًا في قواعد الاشتباك الإقليمي.

‏⁧‫إن‬⁩ العالم لا يقف فقط أمام خرق أمني أو تحرك تكتيكي، بل أمام عملية ممنهجة لاختبار صلاحية القانون الدولي أمام سطوة النفوذ الأحادي، وعلى غرار ما حدث في كوسوفو عام 1999، ثم العراق 2003، وأوكرانيا 2022، يبدو أن النمط ذاته يُعاد تطبيقه هذه المرة على الخاصرة الجنوبية لسوريا.

‏تقع محافظة السويداء جنوب سوريا، في منطقة حساسة تربط دمشق بالجولان المحتل، وتشرف على العمق الأردني واللبناني. وتتمتع بأغلبية درزية سعت في معظم مراحل الحرب السورية إلى النأي بالنفس، ما جعلها لاحقًا أرضًا خصبة للتهديد الناعم والتغلغل الاستخباري.
‏⁧‫
التحرك‬⁩ الإسرائيلي تحت ذريعة حماية الدروز لا يستند إلى طلب شعبي من الداخل السوري، ولا إلى قرار دولي، بل يُستخدم كـ”حجة أمنية استباقية” لخلق منطقة نفوذ موازية لما جرى في جنوب لبنان قبل عام 2000.

‏العملية تمثل، وفق المعايير القانونية والدبلوماسية، انتهاكًا مركبًا :

‏1. خرق المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر التهديد باستخدام القوة ضد سلامة أراضي أي دولة.
‏2. تجاوز مبدأ حسن الجوار وسيادة الحدود.
‏3. استخدام الأقليات كحصان طروادة لشرعنة التدخلات الخارجية.

‏⁧‫إذا‬⁩ لم يتم كبح هذا المشروع الإسرائيلي الجديد، فسيترتب عليه :
‏• تثبيت معادلة جديدة في الجنوب السوري تُعيد إنتاج الشريط الحدودي العازل بتمويل مباشر ودعم لوجستي.

‏• تحويل الأقليات من مكون وطني إلى أدوات وظيفية بيد الخارج، وهو أخطر مسار تفتيتي يمكن أن تواجهه أي دولة متعددة الطوائف.

‏• سحب العدوى إلى الداخل اللبناني، حيث تتقاطع ملفات درزية وإسرائيلية قديمة، ما يهدد استقرار الجبل اللبناني.

‏• تقويض أي مسار تفاوضي أو تسوية سياسية مستقبلية في سوريا.

‏المخطط الجاري لا ينفصل عن سياق أوسع يشمل :

‏• تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل تحت ذريعة “التهديدات غير النظامية”.
‏• تحييد المعارضة الدرزية في الداخل الفلسطيني المحتل عبر ترسيخ الارتباط القومي الدرزي خارج دمشق

‏أ. على المستوى السوري – السياسي والعسكري :

‏•تسريع التحرك الدبلوماسي لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لرفض مبدأ التدخل الإنساني غير المشروع.
‏• احتواء الموقف الداخلي الدرزي وتأكيد وحدة الصف الوطني دون تهديد مباشر أو استعداء رمزي.

‏ب. على المستوى العربي والإقليمي :

‏• إعادة طرح مبدأ احترام سيادة الدول كأساس للتعاون الإقليمي.
‏• فتح ملف التدخلات الإسرائيلية في محافل عدم الانحياز والمنظمات الإسلامية.
‏• تفعيل دور الدبلوماسية الوقائية الإقليمية قبل اتساع رقعة التدخلات من بوابات الأقليات.

‏⁧‫”حين‬⁩ يُسمح لقوة أن تعيد تعريف القانون بحسب مصلحتها، فإننا لم نعد في نظام دولي بل في إدارة استعمارية جديدة”..
‏لذا، فإن الدفاع عن السيادة السورية في السويداء ليس دفاعًا عن دمشق وحدها، بل عن مفهوم السيادة في العالم العربي كله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى