
الملك لا يسقط .. بل يعيد تشكيل مملكته..
الدكتور عدنان بن أحمد الأنصاري
دبلوماسي وسفير سلطنة عُمان لدى دولة الكويت سابقاً
منذ أن خرجت البشرية من رماد الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة تعرف أن النصر الحقيقي ليس بالسلاح فقط، بل بالمال الذي يصوغ العالم.
وهكذا، منذ اتفاقية بريتون وودز عام 1944، صار الدولار ليس مجرد ورقة نقد، بل رمزًا للنفوذ السياسي والاقتصادي الأمريكي.
”ليس هناك بديل جاد للدولار، لأن لا دولة لديها جهاز سياسي قادر على فرض قواعد اللعبة مثله”.
دونالد ترامب؛ الرئيس الأمريكي؛ لم يأتِ بوصفة اقتصادية تقليدية؛ بل وضع على الطاولة خطة تقوم على زيادة السيولة الداخلية، حتى وإن أثرت مؤقتًا على قيمة الدولار، في مقابل هدف أكبر وهو : نقل الصناعات من الصين وإعادة تموضع أمريكا كقوة إنتاجية عالمية.
هذه الرؤية لا تنتمي إلى مدارس التضخم أو التشدد النقدي، بل تقترب من روح جون ماينارد كينز، الذي آمن بأن الدولة في أوقات الركود يجب أن تكون هي المستثمر الأول.
لكن ترامب لا يدعو للإنفاق العبثي، بل لتوجيه رأس المال إلى مصانع، خطوط إنتاج، وسلع قابلة للتصدير؛ إنها “كينزية قومية” موجهة نحو السيطرة العالمية.
زيادة ضخ السيولة قد تبدو للوهلة الأولى تهديدًا مباشرًا لقيمة الدولار؛ لكن ترامب يُراهن على أن هذه السيولة ستُترجم إلى :
• نمو في الصادرات.
• عودة أرباح الشركات الأمريكية من الخارج.
• السيطرة على أسعار الطاقة والغذاء دوليًا.
“إذا كنت تصنع وتصدر ما يحتاجه العالم، يمكنك طباعة النقود بأمان”.
تحالف بريكس (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا) يخطط لكسر هيمنة الدولار عبر :
• استخدام العملات المحلية في التبادل.
• تطوير أنظمة دفع بديلة.
• تسعير الطاقة بعيدًا عن الدولار.
لكن في الواقع، بريكس ما زالت تفتقر إلى عمق الثقة المؤسساتية والقدرة على تقديم بديل نقدي متكامل.
“لكي تنهار الإمبراطورية، لا يكفي أن تتمنى .. بل يجب أن تخلق بدائل موثوقة”.
خطة ترامب الاقتصادية تقوم على أدوات محددة :
• سندات حكومية قصيرة الأجل.
• خفض الفائدة للقروض الإنتاجية.
• حوافز ضريبية ضخمة للشركات التي تعود من الخارج.
أما البنوك، فستكون ذراع التنفيذ المالي من خلال :
• تمويل مصانع وتكنولوجيا جديدة.
• دعم الابتكار الصناعي وتدريب العمالة.
• إعطاء قروض طويلة الأجل بأسعار فائدة ميسرة.
“المال الرخيص لا يصنع فقاعة؛ إن وُجّه نحو الإنتاج الحقيقي”.
نحن أمام لحظة تاريخية تعاد فيها صياغة مفاهيم “النفوذ” و”القوة”.
الولايات المتحدة، بخطة ترامب، تراهن على اقتصاد منتج ومصدّر، مدعوم بسيولة موجّهة؛ أما بريكس، فتهدف إلى تفكيك المركزية الغربية؛ لكن دون مؤسسات بديلة ناضجة.
أمريكا تصوغ اقتصادًا سياديًا؛ بريكس تحاول بناء جنوب عالمي مستقل.
السؤال الحقيقي : من يملك المؤسسات، والقانون، والقدرة على فرض المعايير ؟
الجواب حتى الآن : لا تزال أمريكا تكتب القواعد.
نصائح استراتيجية للنظام المالي العالمي :
1. لا يجب كسر هيمنة الدولار دفعة واحدة، بل تنويع تدريجي في العملات العالمية.
2. يجب تحفيز البنوك لتمويل الإنتاج لا الاستهلاك.
3. من الضروري إنشاء نظام ضريبي عالمي عادل يحدّ من تهرب الشركات الكبرى.
4. لا بد من ربط السيولة بالتحول الأخضر والتكنولوجيا لا بالفقاعات.
5. بناء الثقة بين الشرق والغرب عبر مؤسسات نقدية متعددة الأطراف ضرورة وجودية.
الدولار قد يتعرض لهزات؛ لكن طالما بقيت الولايات المتحدة تمتلك القوة السياسية والمؤسسية والعسكرية؛ فإن العملة الخضراء ستظل «الملك» في اقتصاد العالم.
“المال أداة .. من يستخدمه هو من يحدد قيمته”.
الولايات المتحدة لا تزال تمسك بالمطرقة التي تُطرق بها قوانين اللعبة.