بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الظلام فكرة لا أكثر..

ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف وتطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال

 

 

في لحظة عابرة، وسط انقطاع كهربائي مفاجئ، وُلد حوار صغير غيّر وجهة نظر كاملة عن الحياة، لم يكن الظلام حينها مجرّد غياب للنور، بل مرآة عكست ما نخشى مواجهته في داخلنا.

كنت أخشى الظلام، أرتجف من دخانه الكثيف، من صمته المتواطئ، من الفراغ الذي يتمدد في زوايا الغرفة، لم أكن أدرك أن ما كنت أهرب منه لم يكن الظلمة ذاتها، بل ما تحمله من معانٍ دفينة، تسكننا دون أن ننتبه.

قال لي صديقي ذات مساء، بينما كنا نعيش سكون العتمة بعد انقطاع الكهرباء:
“لا يوجد ظلام حقيقي في هذا العالم. افتح عينيك جيدًا، وانظر… ستجد بقايا ضوء، خيط قمر، شعاع متسلل، وهَدي خافت، الظلام الذي تخافه ليس إلا فكرة.”

كلماته لم تكن مجرّد عزاء عابر، بل كانت مفصلاً في إدراكي.

بدأت أفكر:
ما هو الظلام؟ أهو انعدام الرؤية؟ أم انعدام الطمأنينة؟
أهو مجرد غياب للضوء، أم حضور طاغٍ للأفكار التي نخشى سماعها في هدوء الليل؟

الظلام، كما وصفه صديقي، ليس عدوًا حقيقياً. بل هو شاشة نعرض عليها مخاوفنا، في الضو نُلهي أنفسنا، نُبصر الأشياء، ونتجاهل الأصوات في داخلنا. أما في الظلمة، فكل شيء يهدأ، وتعلو أصوات القلب، وتقترب الأسئلة التي طالما أبعدناها.

أدركت حينها أنني لم أكن أخشى الظلام، بل كنت أخشى أن أكون وحدي في حضرة ذاتي. كنت أخشى مواجهة صمتي، خوفي، رغبتي في أن أبدو قويًا رغم هشاشتي، كنت أهرب من نفسي، ومن تلك الحقيقة التي لا تحتاج نورًا لتظهر.

الآن، أعيش في هدوءٍ مختلف، أطفئ الأنوار عن طواعية، لا كتمرّد، بل كمصالحة، لم أعد أخاف من الظلام، بل أصبحت أقدّره كأحد أصدق الأصوات التي تحدّثني، هو ليس عدوًا، بل معلّم يهمس لي حين يغيب كل شيء:
“أنا لست ظلامًا… أنا أنت”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى