بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

ما بين السطور..

✍️ ترياء البنا

 

 

قدم الاتحاد العماني لكرة القدم أمس، البرتغالي كارلوس كيروش المدرب الجديد للمنتخب الوطني الذي تنتظره مباراتان مصيريتان ضمن الملحق المؤهل لنهائيات كأس العالم 2026، أمام المنتخبين القطري 8/10، والإماراتي 11/10.

ورغم أن مدة التعاقد بين الطرفين تحددت بسنة واحدة، إلا أن كيروش أعلن خلال مؤتمر تقديمه للإعلام، موافقته الفورية على تقديم مشروع للنهوض بكرة القدم العمانية بعدما طلب منه مجلس إدارة الاتحاد ذلك، الأمر الذي يبدو متناقضا بعض الشيء، فكيف نحدد مدة التعاقد القصيرة هذه، وفي ذات الوقت نطلب من الرجل وضع استراتيجية وبرنامج للتطوير؟، وربما هذا يفسر الضغوط التي تقع على كاهل الاتحاد ويبين تخوفه من اتخاذ قرار بفترة تعاقدية مطولة تحسبا للنتائج، ومن ثم الانتقادات.

ولكن ما لا يخفى على أحد، أن كارلوس كيروش مدرب كبير ، يمتلك خبرات متميزة على مستوى تدريب المنتخبات، وأكثر ما يميزه هو بناء المنتخبات، وتجربته مع المنتخب الإيراني خير دليل خلال 9 سنوات، صعد بهم للمونديال مرتين، كذلك تجربته الجيدة مع منتخب مصر، حيث بنى منتخبا متميزا ولولا الحظ العاثر في ركلات الترجيح لحقق كأس أفريقيا وتأهل إلى نهائيات كأس العالم، إذن لماذا لا نثق في الرجل ونمنحه الفرصة والوقت الكافي لإعادة تشكيل منتخبنا الوطني الذي أصبح في حاجة ملحة لذلك، خاصة وأنه سبق من قبل منح الفرصة والحرية الكاملة لبرانكو إيفانكوفيتش من 2019 وحتى 2024.

في حديث كيروش بالأمس، ظهرت بين السطور أمور كثيرة ضمنها الرجل في جمله، حين قال إنه علينا أن نكون واقعيين، وندرك أن للنجاح عوامل أهمها العمل الذكي، ليضعنا أمام واقعنا المرير، لأننا بالفعل نفتقد منظومة العمل السليمة الممنهجة والمدروسة (الاستراتيجية)، يعني بالمصري ماشيين بالبركة، وهذا ما تحدثنا عنه مرارا وتكرارا من قبل ولكن للأسف ما من مجيب.

ونوه كيروش في تشبيه صريح، إلى أننا لا نمتلك العنصر الأساسي لتحقيق الإنجازات، حين سرد أنه تحدث إلى شيف كبير في أحد الفنادق وسأله كيف يمكنه صنع الأومليت بدون بيض، ليؤكد أنه رغم قدراته التدريبية وخبراته الكبيرة وسيرته المتميزة، لن يستطيع النجاح إذا ما توافرت الأساسيات لذلك، وهو الأمر الذي أكدته كثيرا فالمدرب ليس إلا مجرد ترس في المنظومة وليس كل شيء، والنجاح يعتمد على التكامل في العمل.

وفي إشارة منه أيضا- كما تراءى لي- وربما أكون على خطأ في فهمي، أنه لم يجد في لاعبينا ما كان يأمله، حيث كرر كثيرا أن اللاعبين هم العنصر الأساسي وأنهم في المقدمة، وهذا أمر بديهي، لأننا لا نستطيع أن ننكر أبدا أننا لا نمتلك اللاعب صاحب العقلية الاحترافية، لاعبونا هواة، ولا يمكن مقارنتهم بنظرائهم من المنتخبات الأخرى، سواء الخليجية أو العربية.

وضعنا حديث كيروش أمام المرآة بكل وضوح، وأكد أنه سيقدم برنامجا لتطوير الكرة العمانية، دون النظر إلى فترة تواجده مع الفريق، وأنه سيترك إرثا لمن يخلفه، ليحقق النجاح، الأمر الذي يشير إلى أن الرجل نفسه لا يثق في استمراره.

أخيرا.. كيروش مدرب كبير ولديه من الخبرات الكثير، ونحن نفتقر إلى عناصر النجاح الأساسية، فطالما تم اختيار الرجل في هذه المرحلة الحرجة، وطلب منه وضع برنامج تطويري، أرى أن من حقه أن يمنح الفرصة والوقت، التي لم تمنح لرشيد جابر، كي يعمل بأريحية، أولا من أجل التأهل إلى المونديال، فالفرصة ممكنة جدا وأقرب وأسهل من أي وقت مضى، عطفا على تشابه الظروف بين المنتخبات الثلاثة في مجموعتنا، وأننا في الماضي القريب تفوقنا على المنتخبين، أو أن يبدأ الرجل بناء جيل جديد للكرة العمانية، إذا لا قدر الله لنا عدم التأهل- حتى نستعد لكأس آسيا 2027 فربما نحقق فيها تقدما بعد تأهل وحيد إلى الدور الثاني على مدار مشاركاتنا، وكذلك تصفيات مونديال 2030، لأنه وببساطة عدم الاستقرار الفني لا يؤدي إلا إلى الفشل، وفي النهاية نحن الخاسرون كلما مر الوقت دون تغيير جذري في التفكير والتنفيذ.

تعليق واحد

  1. مقال يقرأ الواقع كما هو، دون مواربة، ويغوص بين السطور ليكشف ما لا يُقال صراحة، وهذا بحد ذاته هو جمال النص وعمق الطرح.
    الكاتبة ترياء البنا قدمت قراءة تحليلية ذكية لمشهد رياضي معقد، بلغة متزنة تجمع بين النقد المسؤول والتفاؤل الممكن، دون أن تسقط في فخ التهوين أو التهويل.

    أعجبتني الشجاعة في مواجهة التناقض بين قصر المدة وطول المشروع، وتلك المقاربة الذكية في تشبيه “الأومليت دون بيض”، والتي تلخص بإيجاز مأزق أي مدرب يعمل وسط منظومة تفتقر للأدوات الأساسية.

    الأكثر تميزًا في المقال هو ذلك الحس الإنساني الذي بدا واضحًا في احترام التجارب السابقة دون تجميل، والحرص على منح الفرصة لمن يستحقها فعلًا، دون أن تُغفل الكاتبة الإشارة إلى مكامن الضعف البنيوية في الكرة العمانية، خاصة ما يتعلق باللاعب والعقلية والمنظومة.

    مقال يُحترم لأنه لا يُجامل، ويُقرأ لأنه لا يصرخ، ويُقدّر لأنه لا يُحبط بل يقترح.

    أحسنتم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى