
بأقلام الكُتّابمقالات وآراء
الاحتراق الوظيفي : حين يتحوّل الشغف إلى استنزاف..
المهندس/ عامر إبراهيم
مستشار أعمال وخبير في التحول الرقمي ومدرب تنفيذي (PMP، CEM، CEA، MBA)
هذا المقال .. يندرج ضمن سلسلة مقالات حول العمل، القيادة، والتدريب، نهدف من خلالها إلى إلقاء الضوء على التحديات المهنية وسبل مواجهتها عمليًا وإنسانيًا.
هل جرّبت أن تستيقظ يومًا وتشعر أن الذهاب إلى العمل صار أثقل من قدرتك؟ لا حماس، ولا طاقة، بل ثِقَل في الخطوات… هذه ليست مشكلة شخصية أو ضعفًا داخليًا، بل ما يُعرف عالميًا بـ الاحتراق الوظيفي.
ما هو الاحتراق الوظيفي؟
تُعرّفه منظمة الصحة العالمية بأنه متلازمة مهنية تنشأ بسبب ضغوط العمل المزمنة التي لا تُدار بشكل صحيح، وتظهر في ثلاث صور :
1. شعور مستمر بالإنهاك وفقدان الطاقة.
2. تزايد مشاعر السخرية أو الانفصال الذهني عن العمل.
3. انخفاض الكفاءة المهنية والإنتاجية.
الاحتراق ليس مجرد تعب .. هو غياب المعنى من خلف العمل.
العلامات التي يجب الانتباه لها :
• جسدية : تعب مزمن، صداع متكرر، اضطراب في النوم.
* نفسية : لا مبالاة، فقدان الحافز، مزاج منخفض.
• سلوكية : عزلة، انخفاض إنتاجية، تجنّب الاجتماعات.
لو وجدت نفسك تعاني أكثر من 3 من هذه الأعراض لأسابيع، فهذه ليست صدفة .. إنها إشارة للإنقاذ.
الأسباب الجذرية :
* ضغط العمل المستمر مع غياب الموارد أو السيطرة.
* اختلال التوازن بين العمل والحياة.
* بيئة عمل سامة يغيب عنها التقدير والإنصاف.
* عدم وضوح الأهداف أو غياب الارتباط بالقيم الشخصية.
ثقافة العمل السامة لا تستهلك الأفراد فقط .. بل تدمّر المؤسسات من الداخل.
الآثار على الأفراد والمؤسسات :
الاحتراق لا يترك أثره على الفرد فقط من حيث صحته وعلاقاته ومزاجه، بل ينعكس على المؤسسة أيضًا : إنتاجية منخفضة، ارتفاع الغياب، وزيادة معدل دوران الموظفين. أي أن الخسارة مزدوجة، شخصية وتنظيمية.
كيف نواجهه ؟..
على مستوى الفرد :
– ضع حدودًا واضحة بين عملك وحياتك الخاصة.
– اهتم بروتين صحي : نوم كافٍ، حركة يومية، وممارسة أنشطة مفرحة.
– استخدم أدوات مثل نموذج PERMA لإعادة بناء الرضا في حياتك.
– ركّز على نقاط قوتك الطبيعية وادمجها في عملك.
“تخلَّ عن الوهم بأن الاحتراق هو الثمن الحتمي للنجاح”. – Arianna Huffington
“لديّ نظرية أن الاحتراق يرتبط بالاستياء. وتتغلب عليه حين تفهم ما الذي تتنازل عنه ويجعلك ساخطًا”. – Marissa Mayer
على مستوى المؤسسات :
– إعادة تصميم العمل بما يتيح للموظف تعديل مهامه أو طريقة رؤيته لها (Job Crafting).
– بناء ثقافة داعمة قائمة على التقدير والتغذية الراجعة العادلة.
– تشجيع الإجازات والاهتمام بالصحة النفسية كجزء من الاستراتيجية المؤسسية.
المؤسسات التي تعتني بموظفيها لا تنقذهم فقط .. بل تنقذ مستقبلها هي أيضًا.
دور الكوتش التنفيذي :
في مواجهة الاحتراق، يساعد الكوتش التنفيذي الأفراد على :
– استعادة الوضوح وتسمية مصادر الضغط الحقيقية.
– إعادة الربط بالقيم والأهداف.
– بناء استراتيجيات عملية لإدارة الضغط بدل الاستسلام له.
الكوتش الجيد لا يزيل الضغوط عنك .. بل يعلّمك كيف تديرها دون أن تبتلعك.
خاتمة : من الإنهاك إلى التوازن..
“ليس الحمل هو ما يحطّمك .. بل الطريقة التي تحمل بها الحمل”. – Lou Holtz
الاحتراق الوظيفي ليس نهاية الطريق، بل جرس إنذار يمكن أن يقود إلى بداية جديدة أكثر وعيًا.
كما قال جلالة السلطان قابوس بن سعيد – رحمه الله – في لقائه مع أهالي ظفار عام 1995 :
“يجب أن نطبّق مبدأ الوقاية خير من العلاج”.
في رؤية عُمان 2040، هناك تركيز واضح على رفاه الإنسان العُماني وتطوير بيئة العمل لتكون جاذبة ومزدهرة.
مواجهة الاحتراق جزء أساسي من هذه المسيرة، لأنه لا تنمية مستدامة بلا إنسان متوازن، ولا إنتاجية حقيقية بلا شغف مُدار بذكاء.