إطـلاق سـراح..
الكاتبة/ ياسمين عبدالمحسن إبراهيم
مدرة معتمدة ومحاضرة في اكتشاف الذات
إطـلاق سـراح..
في إحدى الليالي المؤنسة التي يتجمع فيها الأصدقاء،
كنت هناك…
حيث يتبادل الجميع قصصًا تحمل بين طياتها الأمل والألم.
وبينما تتشابك الأصوات، ترتفع حينًا وتخفت حينًا.
وقفت إحدى الصديقات وقالت: كنت فقط أحتاج لفرصة حقيقية.
انتبه الجميع…
إذ فجأة انهمرت دموعها كوادٍ قوي يجرف أمامه كل شيء.
ومن ثم جمعت قواها لتخبرنا ما يحتبسه قلبها والجميع آذان صاغية.
قالت” : كنت أظن أن هذا العام هو الأصعب على الإطلاق منذ وطئت قدماي الأرض، بعدما كنت أظن أن العام الذي فارقتنا فيه أمي، وانتقلت إلى رحمة الله هو الأصعب، ولكن لا أدري ما حدث، غير أني رأيت الأمور من زاوية مختلفة، وكأني أشاهد حياتي من الخارج، أشاهده كفيلم سينمائي، يا الله حقًا رحمة الله وسعت كل شيء.
لقد كان هذا العام هو الأقوى، وكأن كل الأعوام السابقة هي الجزء النظري من منهج الحياة، وها هو قد حان وقت الجزء العملي”.
تظن أنك وحدك بينما تحفك رحمة الله من كل جانب.
تظن أنك بائس وحزين بينما يُعِدُّ الله لك فرجًا يجبر به كسرك.
تظن أنك غير مرحب بك بينما يزرع الله حبك في قلوب الخلق دون عناء منك.
تظن أنك في ظلام بينما يقطن النور بداخلك.
كم هو الإنسان متعجل على كل شيء، سريع إصدار الأحكام على كل شيء، إذ أمهلنا الله كل هذا الوقت لنحاول ونُصلح ونعمر في الأرض، لما إذاً نقنط من أنفسنا وممن حولنا بهذه السرعة؟!
وربما لأن كلماتها نابعة من عميق قلبها، فقد لامست قلوب كل الحاضرين، وكأن أرواحنا تخاطبنا برفق، كالأم الحنون التي توقظنا لصلاة الفجر ولسانها يردد في أذنك الكل نائم وربك يحبك قم للصلاة رحمك الله.
أكملت حديثها قائلة” : لقد رحلت عن بلادي لأرضٍ أوسع لا حدود فيها لتحقيق الأحلام، تركت خلفي حياتي، وقلبي، وضحكاتي الحقيقية الأخيرة، هدمت كل دوائر الأمان، حاربت لوحدي أو كما ظننت أنني كنت طوال تلك الرحلة لوحدي، بينما لم تفارقنا رحمة الله ولم يغفل عني رغم تقصيري وقلة حيلتي.
نحن في خضم المعارك لا نلتفت حتى لنصف الكوب الفارغ، نحن لا نرى، ولا نسمع حينها، فقط نتكلم، ونشتكي.
لقد مررت هذا العام بعدة نكبات واختبارات أصابت قلبي بجراح التئامها ليس بالأمر الهيّن.
حرب مريرة كنت فيها القائد والجنود وربما في صف العدو أحيانًا.
حرب هُزمت فيها من ساعدي الأيمن الذي كنت اعتمد عليه في رسم الطريق.
حرب كنت فيها الشخص الوحيد المتيقن بأن السلام قادم لا محالة.
حرب خضتها ببقايا قوتي وخرجت منها بكاملها”.
ذلك الوجه الذي بلا دموع، كان الحرب كلها، والألم كله.
أكملت قائلة : “كلما كان العالم ينظر إليَّ لكوني متمردة، كنت أخبره بابتسامتي أنني يومًا ما قريبًا ستزهر ورود انتصاراتي ليدرك الجميع حينها أنه ما كان كل ذاك إلا سعيًا حقيقيًا في تعمير القلوب المُجرَفَة”.
خلال رحلتنا يمنحنا الله الكثير والكثير من النفحات، يفتح عليك أبواب ظننت أنها مستحيلة،
أنت سعيت، وبرحمته اختبر صدق سعيك؛ ففزت في الاختبار بستره؛ ففتح عليك بكرمه ما يطيب له قلبك.
ولكن هناك أمر علينا أخذه بعين الاعتبار، نحن في هذه الدنيا
رحالة، لا يمكننا التمسك بالأشياء ولا الأشخاص، لقد فُطرت الدنيا على الزوال أحبائي.
عمّ الصمت المكان للحظات، ثم قالت بصوتٍ خافت : “فلتَعبُروا بوابة حياتكم، وتصارحوا أنفسكم غيبًا لا جهر فيه، ما سبب كل هذا الألم الذي نحمله بين جنبات قلوبنا ؟؟”.
إنه التَّعَلُّق يا سادة………
التمسُّك بلا هدف……..
التعَلُّق من أجل البقاء في إطار الأحياء…
التعَلُّق بالأشخاص والأماكن والأشياء…
حب الامتلاك….
التعَلُّق بالمعتقدات السلبية التي نعترف أنها سلبية رغم تعلقنا بها.
وإن كان التعلق حق في أمر ما؛ فسيكون في الدين وتعاليمه، ثم أحلامك التي تحافظ على إنسانيتك فقط لا غير.
دع الأشياء تحدث.
أطلق سراح من هم حولك.
تعَلَّق بذاتك وكيانك.
لا تكونوا على رهن إشارة من أحد.
تتبعوا رسائل الرحمن مع نسمات الهواء كل يوم وليلة.
ثم إياك أن تحزن على فوات الأشياء، هناك أشياء كان ينبغي لها أن ترحل إلى الأبد، وهناك أشخاص كان ينبغي لهم منذ زمن أن يعودوا غرباء، وهناك مواقف مريرة كانت لابد أن تمر عليك لتصبح أقوى في مواجهة غيرها فيما بعد، وهناك فرص لابد وان تضيع لأنها لو لم تضع لضعت أنت.
“امنحوا أنفسكم فرصة حقيقية، أبرموا عقود الصلح مع قلوبكم، تخلوا عن الأحزان، ضعوا الضيق جانبًا، الدنيا قد تنقضي عنك في لحظة؛ فلا تهدر ما بقى منك في غياهب البشر؛ تذكر نحن البشر متغيرون، لا وجود للملائكة بيننا، انتصر لنفسك وبنفسك على نفسك”.
أنت تستحق فرصة حقيقية..
اهدها لنفسك فهي الأجدر بها..