أصداء وآراء

درس جديد من غزة

 

خميس بن عبيد القطيطي
كاتـب – سـلطـنة عـمان

khamisalqutaiti@gmail.com

دروس عظيمة تقدمها المقاومة في قطاع غزة وهي تتصدر المشهد العربي رافعة كلمات الله أكبر محذرة الصهاينة “وإن عدتم عدنا”، فما أروع معزوفات الصواريخ وهي تنطلق من تحت الأرض في قطاع غزة محدثة توازن الرعب وتوازن الردع، هذه المقاومة الشريفة التي كنا نراهن عليها في مقالاتنا الماضية بأنها هي من سيتحكم بالمشهد السياسي، والجماهير العربية والإسلامية اليوم تعول عليها في إجهاض ما يسمى “صفقة القرن”، وها هي صواريخ المقاومة المنطلقة من قطاع غزة مع إطلالة شهر رمضان المبارك تفشل كل القبب الحديدية التي تمتلكها “إسرائيل” وكل التقنيات التي تقف خلفها أعتى القوى الدولية، وتثبت المرة تلو الأخرى أن الأمة بخير والرهان على المقاومة سيظل باقيا.
لقد أثلج صدور المؤمنين هذا الواقع الذي تفرضه غزة على العدو المحتل الذي يحاول في كل مرة التخلص من هذا الرعب الذي يعيش فيه جيشه ومستوطنوه وحكومته، ولكن النصر يحققه الأبطال المؤمنون بقضيتهم، فرغم الحصار الذي تعيشه غزة هاشم منذ ما يناهز 15 عاما، ورغم مواجهة حروب عدوانية مستمرة، لكن النصر يتحقق دائما في صالح المقاومة، ولم تستطع قوى العدوان فرض الأمر الواقع على غزة؛ لأن غزة عرفت كلمة السر، وعرفت كيف تتعامل مع العدو؛ ولذلك من بدأ العدوان جر أذيال الخيبة والهزيمة، وغزة هاشم انتصرت على العدوان.
هناك من يراهن على “طبخة القرن”، ولكن المؤمنين الصادقين راهنوا على المقاومة وعلى الصمود وتحقق الانتصار، وستفشل “صفقة القرن” على أسوار غزة بعون الله، فالمعطيات تفرض نفسها على المشهد في فلسطين، وتؤكد أن المقاومة هي الحل.
كتائب القسام وفصائل المقاومة الأخرى استخدمت هذه المرة تكتيكا جديدا في إطلاق عشرات الصواريخ دفعة واحدة، ما مكنها من تجاوز القبة الحديدية، وهذه الكثافة العالية من النيران وقدرتها التدميرية الكبيرة التي أدخلت على الصواريخ كانت كفيلة بإيقاع خسائر مؤثرة بالعدو.
حصيلة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة أدى إلى استشهاد 27 فلسطينيا بينهم 4 نساء وجنينان وطفل واحد، وإصابة 154 مواطنا فلسطينيا بحسب وزارة الصحة بالقطاع، وعلى الجانب المعادي قتل 4 إسرائيليين وأصيب 130 مستوطنا على الأقل حسب الإعلام العبري، وقد توصلت فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي إلى اتفاق وقف إطلاق النار فجر يوم الاثنين 6 مايو 2019م برعاية مصرية وأممية. والجدير بالذكر هنا أن كيان الاحتلال سارع هذه المرة للبحث عن اتفاق لوقف إطلاق النار عاجلا بعد أن وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه، حيث فشلت القبة الحديدية في التصدي لصواريخ المقاومة فلم تتمكن من التصدي إلا لثلث عدد الصواريخ فقط، وذلك لاعتماد الفصائل على إطلاق رشقات الصواريخ دفعة واحدة وبتقنية ومستوى تدميري عالٍ، وهكذا هي قدرات المقاومة الباسلة تنتقل من نجاح إلى آخر وتستثمر الوقت في تحقيق استراتيجية الردع.
“صفقة القرن” هي المعيار الذي يتحرك من خلاله الاحتلال الصهيوني لقياس الموقف العام ومعرفة الظروف المانعة، وهذه الصفقة هي المحرك لسياسات الاحتلال العدوانية الأخيرة، فهي تعلم أن النظم العربية تتماهى في غالبها مع هذا المشروع الاستعماري الجديد، ولكن المعوق الوحيد الذي يقف حائلا بينها وبين تحقيق نجاح الصفقة هو المقاومة العظيمة التي تمثل مشكلة كبيرة أمام كيان الاحتلال وأعوانه، لذلك سيعمل كيان الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة القادمة على أكثر من مسار لإيجاد حل يساعد على التخلص من هذه العقبة، سواء بتكرار سيناريو العدوان أو تغيير معالم الصفقة أو العمل على تنفيذ الخطتين معا، لكن في كل الحالات يدرك الكيان الغاصب جيدا ماذا يعني معاودة التصعيد في غزة أو توسيع نطاق العدوان، فمشكلة غزة أمام الاحتلال ليست وليدة اليوم، ومحاولات القضاء عليها فشلت فشلا ذريعا، وعادت المقاومة بأقوى مما كانت عليه، لذلك هي تمثل شوكة في قلب الطموحات التوسعية لـ”إسرائيل الكبرى”، وكل المقاومات على الخريطة العربية والإسلامية تمثل نفس المشكلة لدى “إسرائيل”، فليس من السهولة مسح قطاع غزة من الخريطة، فهي تمثل تجمعا بشريا يربو على المليوني نسمة، وتنشط بها قوى المقاومة، وأثبتت التجارب والمغامرات الإسرائيلية السابقة فشل العدوان وصمود فصائل المقاومة، بل تعززت خاصية الردع لديها كلما تقدم الوقت، وتطورت من حيث الكم والنوع والتكتيك، ولديها من الإصرار والتحدي ما جعلها الرقم الأصعب في معادلة الصراع، ورغم التضحيات التي قدمتها فهي لم تنكسر وهي ماضية في طريق العزة والكرامة والنصر والشهادة، فلله در هؤلاء المقاومين ولله در تلك الأرض التي تحتضن رفات جد الرسول محمد الله صلى الله عليه وسلم.
المغامرة الإسرائيلية الأخيرة اختارت التوقيت الخطأ في مستهل هذا الشهر الفضيل، علما أن كل الانتصارات التي حققتها هذه الأمة كانت في مثل هذا الشهر العظيم، بدءا بمعارك المسلمين الأولى، وصولا إلى حطين، وانتهاء بحرب أكتوبر/رمضان المجيدة عام 1973م، أضف إلى ذلك أن كل محاولات العدوان السابقة لم تحقق أي مكسب يذكر سوى سقوط مزيد من الضحايا المدنيين في قطاع غزة، وهؤلاء نحتسبهم عند ربهم شهداء، إذن ماذا تبقى لـ”إسرائيل”؟؟! لم يبقَ لها سوى الإدراك التام أن العدوان لن يجلب لكم الاستقرار، وأن قياس مستوى رد المقاومة الفلسطينية هو ما جربتموه سابقا وآنيا والنتائج أمامكم، إذن مشروع “صفقة القرن” لن يتحقق وسينكسر أمام صواريخ المقاومة وصمود أبناء غزة، وارتكاب أي حماقة أخرى باجتياح غزة سيعود على جيش الاحتلال بنتائج مؤلمة قد يربك مخططاتكم بشكل أكبر وربما تشترك قوى أخرى في المواجهة، وتجارب العدوان المخيبة ماثلة أمام أعينكم، ونحن ـ أبناء هذه الأمة ـ نعتز بما تقوم به المقاومة العظيمة وثقتنا لا حدود لها، فمن تمسك بالإخلاص والحق وأعد لكم ما استطاع من قوة لن يخذله الله؛ لذلك تحققت معادلة الردع والرعب، حفظ الله غزة هاشم وكامل أراضي فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، فهم في طريق النصر وهم في رباط إلى يوم القيامة، والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى