أمـد الدقـم .. و “توّنا باديين”..
يـوسـف الـبـادي
فـنان تشكـيلي وكاتـب
أمـد الدقـم .. و “توّنا بادْيين”..
“الزائر لأمد سوف يشعر أنه رحالة انتقل 100 سنة إلى المستقبل”..
عبارة دعائية لملتقى أمد الدقم 2022.
* * * * *
قبل الحديث عن الملتقى، أود توجيه أسئلة لمن أشرفوا على إقامته :
هل حققتم الجملة الدعائية التي أخبرتم بها الناس والتي وردت بداية هذا المقال ، والذي كانت و مثيلاتها أهم ما عرفتم به الملتقى ؟ ،… وسؤال آخر دار في خاطري .. هل فاق عدد الزوار الــ الثلاث و العشرين ألفاً حسب تصريحكم ؟ .
أما السؤال للجميع : هل تعتقدون أننا اعتدنا الخطأ .. وأصبحت تلك عادتنا التي ندافع عنها ؟.
* * * * *
وأمد الدقم .. هو ملتقً أقيم في منطقة الدقم ، و كانت دعايته الترويجية تقوم على أنه يعتني بالشباب المبدعين و يعرض ابداعاتهم المستقبلية في أرضٍ فضاء مساحتها (٥٠٠ ألف متر مربع) ، الذي سنرى كيف جمعهم الملتقى بصيغة علمية .. فتحول لمهرجان ترفيهي .. الذي كان مهرجان مسقط أكثر منه اعتناء بالثقافة وإن كان ترفيهياً.
* * * * *
لماذا كان من المفترض أن ينجح أمد الدقم ؟..
لأنه كان للشباب ، و يجب أن تقام فعالياتهم بمستوى المراد منهم في مثل هذه الفعالية ، ويكون الوضوح و المصداقية أهم ما يجدوه فيها ، و الجدية واعتيادها أهم مفتاح لخطى النجاح ، الشباب .. الذين يعرفون الشكل الذي تعنيه مثل هذه الملتقيات حيث سمعوا عنها في دول أخرى كفعالية (بيورنج مان) ، وهذا يعني أنه فكرة جاهزة مسبقاً كان المفترض أن يضاف إليها ، و لأنه جاء برعاية مباشرة من قبل جهات تعتني بتفاصيل الاهتمامات الشبابية العلمية ، فكان المفترض في المقابل الا يكون هناك احتمالات الخطأ فيه كبيره ، خاصة أنه مخصص لمجالات معينة ، ولأنه أقيم في منطقة ينتظر بالضرورة أن تنجح ، ومثل هذه الفعاليات يحب أن تقام بمراقبة صارمة ، خاصة أنها ستكون جزء من الدعاية لمنطقة الدقم الاقتصادية ، و مكان دعائي للشباب لعرض إنتاجاتهم للجهات الاستثمارية في الدقم كدعاية لهم ، و لأنه جاء بدعم و رعاية مالية من أهم من يعتنون بالشباب و أمور الصناعة والابداع العلمي .. و كان من المفترض أن تنجح لإن الأصل في الأشياء النجاح.
* * * * *
عندما قال متحدث عن الملتقى : إن الفعالية “تجريبية” .. فإن هذا أمر جيد في ظاهره ، لكن أن تقام فعالية كبيرة كهذه .. ليٌجرَب ما تم تجربته مسبقاً .. فهذا أمر غريب !! .. ، و كان التوصيف الإعلامي للمنظمين مبالغ فيه أحياناً ، و مرتبك في مكان أخر ، فوصف دوائر مقامة أنه يمكن رؤيتها من الفضاء ليلاً ، لا يتناسب أولاً أن نطلق عليه إنجاز فيه إبداع ، لخلوه من الفائدة الإنسانية ، و لاستبعاد أن تكون هناك رؤية في منطقة صناعية لا تخلو من دخان متواصل ، لهذا فلا يكون المكان ملائماً لهذا الامر، أضف إلى ذلك أن الكثير من العلماء باتوا يشككون في فرضية الرؤية من الفضاء.
وفي مكان أخر يبرر المنظمون إقامة فعاليات مصاحبة على أنها نجاح !! ، وكل ما يقام من فعاليات يعني النجاح ؟! .. فأكثر ما كان يقدم من فعاليات و هو الحفلات الغنائية و الترفيهية ، فهل كان الغناء فيها يحمل إبداعاً و جديداً ؟ ، ألم تكن جلها تراِث مطور من الفلكلور العماني؟.
حتى البوابة الرئيسة للفعاليات – التي أعجبت بجمالها – لكنها طرحت في حديث المنظمين كأيقونة مبتكرة للملتقى ، وكانت عليها الأصابع ليعجب بها الناس ، لكنه فعليا لم تكن البوابة ابتكارا ، فطريقة تركيبها وشكلها نفذت في مكان ضيق ، وإن كانت بحجم أصغر ، وفترة زمنية لم تتعدى الساعة بناءً و تفكيكا ، وكانت ديكور لمسرحية في مهرجان في ولاية صحار ، صعد عليه ما يقارب السبعين ممثلا يتحركون عليه لإداء ادوارهم ، و استحق التصميم حينها المركز الأول.
* * * * *
كانت تطرح اعلانات هذا الملتقى ، وتقام فعالياته ، وعمان و العالم يراقبون بإعجاب ما يتحقق أمام أعينهم في دولة قطر من حدث عالمي اذهل العالم بابتكاراته ، حدث قال المبتكرين فيه للطقس الحار : كن برداً و سلاماً على زائري قطر ، وتلك الكرة التي ابتكرت وفي داخلها جهاز لتتبع مسارها بين الاعبين ، ولم يكن حدث أذهل العالم لأنه ضخ الكثير من المال كما يعتقد البعض ، فالمال يصنع استاداً رياضياً ضخماً ، لكنه لا يصنع أستاذا يحمل في بنيته ابتكاراً ، كأستاذ (974) الذي صنع من (الكونترات) ، وهو قابل للتفكيك و نقله الى اي مكان ، وهذا لا تنتجه إلا عقول ذات إرادة مبتكرة ، وليس وجود مال.
وهناك – لا زلت أتكلم عن قطر – أثبتت أن الجميع عليه احترام مبادئها وقيمها .. واحترم العالم ذلك مجبرا أو طوعا .. لدولة تقول للعالم أن شعبي يحترم هذه القيم ، وأنا أعينه على ذلك.
وعلى الرغم ان فعالية كأس العالم ذات اصل ترفيهي ، إلا انها هذبت الهدف منها بأن تحولت لمحفل لا يخلو أن يلامس السماوات الثقافية ، ومكان يدعو للخير و تجنب الفتن للشعوب ، و دعوة للتمسك بالمبادئ التي فرضها الدين الإسلامي الذي لم تخجل دولة قطر ان تظهره امام الجميع بأنه دينها و منهجها.
* * * * *
وفي الوقت الذي ليس ببعيد ، أقيمت في دولة قطر أيضا فعالية علمية اسمها (نجوم العلوم) ، أحرزت فيها العمانية : سمية السيابية ، نجاحاَ استحقت به الفوز بالمركز الأول في الفعالية ، و كان هذا البرنامج يلاقي النجاح و رغبة المبدعين المشاركة فيه ، وعند فوز سمية ، فرح جميع العمانيين بإنجازها العلمي ، و كان أكبر تكريم لها فرحة الناس ، الذي اثبتوا أنهم لا يفرحون بالفوز في الألعاب ، بل ويفرحون بالمثل للتفوق العلمي .
وفي المقابل يطرح ملتقى أمد الدقم كفعالية علمية في مضمونها تحاكي المستقبل ، وأنه سيكون ارضاً لعرض الابتكارات ، إلا أن الواقع فيما بعد اتضحت معالمه بإن الجانب العلمي جانب ثانوي و ليس الأساس.
وكانت الفعاليات التالية التي ستقام حسب منشور نشرته اللجنة المنظمة : (عروض كوميدية .. مسرحية .. موسيقية .. فيلهارمونية ، ألعاب الفيديو ، ملاعب بادل ، أعمال فنية ، مخيم الفلك ، سباقات سيارات تحكم عن بُعْد ، ألعاب الطاولة الجماعية ، حلبة السكوتر ، فن تشكيلي ، مخيم الصحة النفسية ، سباقات الدرون ، لعبة تخطي العقبات ، حوارات شبابية ، الغوص ، الطيران الشراعي) ، فعاليات ضج بها الملتقى المستقبلي أكثره ، ولم تعد مجرد فعاليات مصاحبة ، وحتى وإن قال المنظمون إن الزوار هم من نقلوا فقط لمواقع التواصل فعاليات الترفيه ، فهذا يعني دليلا على أن الزوار لم يجذبهم شيء سوى الترفيه.
* * * * *
بعد أكثر من خمسين عاماً ، يخرج المنظمون في كثير من الفعاليات والمشاريع ليبرروا نجاح أو فشل ارتكبوه بالعبارة العمانية : تَوْنا باديين (لازلنا في البداية).
تَوْنا باديين .. حين نفشل في تنظيم معرض ما.
تَوْنى باديين .. حين تضج منطقة تم تخطيطها حديثاً بالازدحام و تغرق بالسيول.
تَوْنا باديين .. حين يتأخر مشروع ما سنوات حتى ينسى الناس أن هناك مشروع سيقام.
تونى باديين .. يكون الرد على مثل هذا المقال الغيور ، ليضاف إليه تشكيكاً في وطنيته.
تَوْنا باديين .. لا تقولوها ، فإن للنفوس أماني ، كأن تشرق من الدقم شموس النجاحات .. تقول للحالمين : لا إعابة في الخطأ ، على أن نعترف به..
ولا بأس أن نخطئ ، على أن لا نجعل الخطأ عادة.