أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

إخـلاص إبـلـيـس !!..

إسـحاق بن أحمـد البـلـوشـي

Isehaq26927m@gmail.com

 

إخـلاص إبـلـيـس !!..

 

ما أن انتهيتُ من نشر مقالتي بعنوان “شكوى الحب” في صحيفة “أصــداء” الجميلة المتميزة ، الصحيفة التي عندما أراها وأتصفحُها تبعثُ إلى نفسي شيئاً من الأملِ الذي أراه في الانسان، وفي صرير الأقلامِ وهي تكتبُ لأمتها ولأوطانهافتقدم فكراً ومعرفةً، جاء ابليسُ لعنه الله وقد أصابته الغيرةُ الشديدةُ وقال : كيف يصبح للحب مقالةً وليس لي مقالة ؟!!، وكيف يصبحُ للحب ذِكْراً وليس لي ذِكْرا، فما أعجلكَ عني ؟!، فتوسل إبليسُ الفكر، وقبَّل الأقلام والأقدام، وطلب لعنه الله أن تكون له مقالةٌ توازي مقالةَ شكوى الحب.

وعندما أمعنت النظر في طلب إبليسَ، وجدتُ أنه قد بذل جُهداً مضاعفاً في العام المنصرم، فجاء بأدواتٍ جديدةٍ وأساليبَ حديثةٍ وخططٍ محكمة، استخدمها للوصول إلى الغايات الاإبليسية، وتحقيق الأمنيات الشيطانية، فلا أرى إلا أن إبليس قد أخلصَ لوعوده إخلاصاً لا يشوبه الرياء، ولا يبتغي من ورائه السمعة، ولو كان مثلَه عند بني البشر لدخلوا الجنة أجمعين؛ فقد أصبح ابليسُ قريباً من الحكمة والمنطق، وأصبحت إنجازاتُه في مجتمعات الإنسان وفي سبيل الإصلاح الشيطاني لبني آدم شاهدٌ على ذلك وخيرُ دليل، ولا أراه لعنه الله إلا أنه يستحق أحد ألقابِ هذا العصر التي باتت تزدحم في أذهان الصغار قبل الكبار، وتتصارع في عقولِ الشاباتِ قبل الشباب، فحقيقٌ به أن يُلقِّبوه بإبليس المشهورِ أو إبليس الفنان أو… أو…

فما أن عزمت أن أضع مقالةً تحملُ اسمَ إبليسَ تبدل حالي، واعترضتني العوارض، ومنعتني الموانع، ونازعتني أفكاري بين مقبلةٍ ومدبرة، وانهالت علي وساوسُ النفس، فلم أستطع النوم لياليَ، ولم أهنأ بالعيش أياما، فقلت في نفسي : إن ابليسَ هو في أصله إثمٌ وكبيرة لا يجوز مقارفتُها، وهو في ذاته فاسقٌ فاجر تأبى المقالةُ أن تصاحبَه، فأنّى ليَ أن أجدَ لذلك طريقاً، وأنّى ليَ أن أجد لمقالته مسلكاً ومُعينا، لكنني لم أعبأ بهذا أو ذاك، فاستعذت بالله وتفلتُ عن يساري ثلاثاً ودعوتُه جلَّ وعلا أن يُعيينني على مقالةِ إبليس لعنه الله.

أيعرف بنو آدم أن إبليسَ طغى في الأرض وجعل أهلها شِيَعاً يضلُّ شبابهم، ويغوي نساءهم، وأن له قصصاً كاملةَ الأجزاءِ، محكمةَ الفصولِ، متَّسِقةَ الأبوابِ في مجتمعات الإنسان، إذا سمعها المرء أو اطلع عليها بات مغمومَ القلب، مهمومَ البال، فقد جاوز إبليس الحد، وتخطّى الخط، وأصبح يُلقي دروسه عن بُعد وعن قرب.

وإننا إذ نجد في هذا العصر استيطان الغرائب والعجائب في بعض العقول وتمكن التفاهة من بعض الأفهام، نجد أن إبليس استوطن كلَ شيءٍ في هذا العصر، فأصبح له وطنٌ في كل مكان وزمان، فله في اليوتيوب وفي التويتر والفيسبوك وطن وفي الانستجرام والتيك توك له وطن وفي السناب وفي غيرها حدث ولا حرج، فإبليسُ اليوم ليس إبليس الأمس؛ فهو اليوم في مرح وفرح ورفاهية لم يكن يحلمُ بها يوماً قط.

فلا أرى إلا أن إبليسَ قد نفث في كل شيءٍ من طبيعته، وذهبت أخبارُه ودروسُه تؤجُّ كما تؤجُّ النار، فتجدُها في كل زمان ومكان، وتجدُها في كل صغيرةٍ وكبيرة، فلو نظرتَ إلى تسريحة الشاب وجدت معاني إبليس قائمةً بين خصلات شعره وفي مفرقه، وإذا نظرتَ الى تسريحة الفتاة وجدتَها وكأنها تمثالُ إبليسَ في أجمل صوره، وتجدُ فجورَه عند الكافرِ المشرك كما تجدُ ذلك عند المسلم الموحد، فاختلطت معانيهِ القائمة بصفاته الفاجرة، فأصبح إبليسُ قانوناً في طبيعته، ومذهباً في حقيقته، قانونٌ يفرِض الفسادَ، ومذهبٌ يقرُّ الرذيلةَ، فهي شريعةٌ لها من القوة أن تنتشر انتشار الوقائع والأحداث والأخبار هذه الأيام، فبها نجد من خراب الدنيا وأهلِها فاستحق إبليسُ بذلك إشادة الأعداء، وهي مرتبة لا يصل إليها إلا القليل من المخلصين.

عند هذا تحرك فضولُ المقال وسأل إبليسَ أن يقص عليه بعضاً من قصصه، وأن يكشِف له شيئاً من أدواته وأسراره التي جعلته يستحق الجائزة، فأطرق هنيهة ثم قال : إني لأشتم رائحة طلبٍ إبليسي، وأسئلةٍ شيطانية فاحشة، وإنما إبليسُ سرٌ من أسرار الله، وهو شيطانٌ بسرّه ولا يجوز في شريعتنا إفشاءُ الأسرار كما هو عندكم بني آدم اليوم، عند هذا صغُر وجهُ الإخلاص في نظري، وثقل حديثُه في مسمعي حتى أصبحت أتمنى أن أعيشَ بلا وعي ولا فكر؛ لكيلا أشعر بأحزانها، ولكيلا أتذوقَ مرارتها، ليت شعري هل أجدُ شيئاً من هذا الإخلاص عند بني البشر ؟!!.

وبعد شد وجذب قال إبليس إني سائلك عن ثلاثٍ؛ فإن أجبت عنها أخبرتك شيئأ من قصصي وأخباري، وإن أتممتَها أربعاً أهديتك سراً من أسراري.

قال إبليس : حدثني عن مواقع التواصل الاجتماعي اليوم ؟.
قلت : هي في حال وأي حال، فقد أصبحت اجتماعاتُها مكاناً للسب والشتم واللعن تحت شعارات التدافع الفكري، وأصبحت مساحاتُها زماناً لاستعراض الأفكار الشاذةِ النتنة مغطاةً بشعارات إعمال العقل، وأصبحت إعلاناتُها موطناً لاستعراض مواهبِ ومفاتن الفتياتِ، والتلذذ بصورهن مغلفةً بعناوين الحريةِ والتطور، ومع ذلك كله لم يسلم علماء الأمة من الاستخفاف والاستحقار؛ فقد استهزأوا بكتبهم وبعلمهم تحت شعارات حرية مناقشة القضايا العلمية ودراستها، ولزيد أو عبيد الحق في نقدها ودحضها؛ فخلقوا بذلك شيئا من فوضى العوام، فتسيّد الجاهل المشهد، وتصدّر الأغبياء الموقف، فتبسم إبليس وأومأ برأسه، وانتابَه شيء من السرور.

قال إبليس : أخبرني عن حادثة الحجاب وما الذي جرى بين الشيخ وصاحبه ؟.
قلت : إثنانِ بغا أحدهما على الآخر؛ أما الأول قال : إن الحجاب صاحب والإسلام والعفة، وصديق والإيمان والحشمة، وقال الآخر ساخراً : إن الإسلام بريءٌ مما تقول، والحجاب بريءٌ مما تفتري عليه، وإن ما جئت به إنْ هو إلا قولُ كذاب أشر، ولا يجوز للحجاب أياً كان لونه أو جنسه أن يتعدى على شعر المرأة أو أن يغطيه؛ فربما تسبب ذلك في تساقطهِ وتلفهِ، وإنما يجب أن يكون شعرها شامخاً شموخَ الجبال، صامداً أمام الرياحِ العاتيةِ، وأمام نظراتِ الرجال الملتهبة، ثم فكّر هذا الأخير ثانية وثالثة وقدر، وقال للشيخ : إن ما يجري على شعرِ المرأة من الحقوق والواجبات يجري في المقابل على لحيةِ الرجل فاستخلصَ مقارنةً ونظريةً عجيبةً من نظريات هذا العصر مفادُها : شعرُ المرأةِ يساوي لحيةَ الرجل في الحقوق والواجبات، فما أن سمع الشيخ ذلك أسرع يجر ثوبه وعمد إلى لحيته فأخذها أخذًا شديدًا فحلقها خوفًا من أن يفرض عليها الحجاب؛ فما أن سمع ابليس ورأى ذلك لم يتمالك وأطلق قهقهته اللعينه، وأبدى إعجابه الشديد بالشيخ وصاحبه!!.

قال إبليس : ما بالُ النسوةِ والفتى؟.
قلت : إنهنَّ صواحبُ يوسف قد شغفهنَّ فتى الخيال حباً، فلما خرج عليهنَّ أكبرنَه وقلنَ حاشا لله ما هذا إلا أعجوبةَ زمانهِ، وما هذا إلا ملكٌ كريم، فبدأن بالصراخِ والعويل من هول المطلع، ومن هول ما رأين فلم يتمالكن، وسقط بعضهن مغشياً عليهن، ووضعت الأخريات أيديهن على الأفواه وفوق ترائبا، ولولا رحمةُ الله سبحانه وتعالى لغُلقت الأبواب ومزَّقنَ قميصَه من قُبلٍ ومن دبر.
لكنه لطفُ الله وشهامةُ ذلك الشابِ وغيرتُه التي جعلته يسرع إلى المكان ليرى ما الذي يجري، فما أن وصل ونظر يُمنةً ويُسرة وجد الأبصار شاخصةً تنظر إلى زاوية خاوية ليس فيها إلا….، وعندما أمعن النظر وجدهم ينظرون إلى شيء وكأنه غراب أسود؛ فلم يلبث طويلا حتى طرده شرَّ طِردة فوضع إبليس يديه على رأسه حزينا قلقا، وأخذ قلمه يسجل شيئا من قضايا التطوير الشيطاني لشهامةِ وغيرة ذلك الشاب.

قال إبليس : كيف هو حال المثقفين مع العوام؟.
قلت : حالُهم كحال ذلك الأعرابي الذي إذا أراد القِرى ولم يجد ناراً نبح فيجاوبُه الكلب، فيتبعُ صوتَه ويستدلُ به إلى ما يريد ويقصد، فمن الكلاب من يجيب ومنهم من يمنعُه صاحبُه فيمتنع، المثقفون كذلك إذا أرادوا مسألةً بما تهوى أنفسُهم وتميلُ شهواتهم، ولم يجدوا لها دليلاً من التشريع وفي سنة الأنبياء، وضعوها على ألسنةِ العوام ومن على شاكلتهم، فتداولها هؤلاء فترةً من الزمن وطرحوا حولها الأسئلةَ والاستفهامات.
فما أن يبدأ الجدل بينهم؛ يأتي المثقف منتشياً ومتفاخرا مطلقا وعودَه بأنه صاحبها، وأنه سوف يخرجُهم من الجهل إلى العلم، ومن الظلمات إلى النور، والسوق لديهم مليءٌ بالقضايا ومتنوع في العرض والطلب، فالجدليات والغيبيات لها أتباع، والإلحاد والمتناقضات لها أشياع، وقضايا المرأة والمثلية لها أتباع وأشياع، بل تجاوز الأمر في ذلك، وقال كبيرهم بجواز تزيُّن الرجل بالذهب مالم يكن خيلاءً وما أن تخلى الذهب عن أصله وامتزج بغيره.

فتبسم ابليس وقال : إني مرسل إليكم هذه السنة رجالا ونساء أحسبهم من الصالحين ولا يعصون لي أمرا، وإني منتظر بم يرجع المُرسَلون. قلت : صفهم لي، قال : إن لحاهم كثَّة، وشواربهم معوجهة، ورائحتهم كريهة ومنهم من ليس له في اللحية قريب، ولا في الشارب نصيب، لو نظرت إليهم لوَلَّيت منهم فِرارا ولملئت منهم رعبا، قلت : سبحان الله وما أسماؤهم قال : إن في أسمائهم شيئأ من معاني الرمل، وقسوة الحجر، وشيئا من معاني الزهر، ولون الشجر، فتبسم إبليس وقال : حسبك من هذا إن لي موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت أبداً، نناقش فيه هذه القضايا كل واحدة على حده، ولنرى من يستحقُ منهم الوسام الإبليسي فيقلد به هذه السنه.

ثم قال : إن في ذلك شيئاً من قصصي وأخباري، وسراً من أسراري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى