أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

العـلاقـات المـصـرية الإيـرانـيـة..

الإعـلامي/ زاهـر بن حارث المحـروقـي* 

 

العـلاقـات المـصـرية الإيـرانـيـة..

 

بعد زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم لمصر وما تردد في وسائل الإعلام المختلفة عن الوساطة العُمانية لإعادة العلاقات المصرية الإيرانية، تجدّد السؤال المطروح لسنوات، بعد الإعلان عن زيارة جلالته الحالية لطهران: هل ستعود العلاقات المصرية الإيرانية؟ وهل سنرى قريبًا تبادل السفراء بين مصر وإيران، بعد قطيعة استمرت عقوداً ؟!.

هذا ما تذهب إليه مؤشرات كثيرة، أكدها مسؤولون مصريون يوم الأربعاء الماضي لصحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية الصادرة باللغة الإنجليزية بالقول إنّ ذلك يأتي «في إطار عملية توسطت فيها سلطنة عُمان لتطبيع العلاقات بين القوتين الإقليميتين، أثناء الزيارة التي قام بها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم لمصر»، مشيرين للصحيفة أنه تم الاتفاق من حيث المبدأ على لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي بحلول نهاية العام الحالي. ولا غرابة في الوساطة العُمانية، إذ إنّ عُمان تتمتع بعلاقات وثيقة مع إيران، وكثيرًا ما تولت أدوار الوساطة في النزاعات الإقليمية أو في النزاعات التي تضع طهران ضد الحكومات الأخرى في العالم العربي وفي الغرب، وكانت آخر هذه الوساطات يوم الجمعة الماضي عندما أطلق سراح موظف إغاثة بلجيكي مسجون في إيران ودبلوماسي إيراني تحتجزه بلجيكا في اتفاق تبادل توسطت فيه عُمان، بحسب ما أفاد الجانبان. وكما هو معلوم فإنّ عُمان حافظت على علاقاتها مع مصر ومع إيران دون أن تقطعها تحت كلّ الظروف، وبالتأكيد فإنّ السياسة العُمانية تهدف الآن – كما في السابق – إلى تجنيب المنطقة الصراعات، وجاءت مبادرة جلالة السلطان المعظم لتقريب وجهات نظر مصر وإيران ضمن تلك السياسة، ممّا يصب في مصلحة أمن المنطقة ككل.

تأتي الانفراجة المصرية الإيرانية، بعد أن أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، في العاشر من مارس الماضي، وهي العلاقات التي قُطعت في عام 2016. لذا من المؤمل أن تؤدي هذه الخطوة إلى إزالة مصدر رئيسي للتوتر في الشرق الأوسط، ممّا يشير إلى تحوّل في التحالفات الرئيسية، وإلى تغيّر المشهد السياسي في المنطقة؛ إذ كانت علاقات طهران مع القاهرة مشحونة منذ الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، الذي لجأ إلى مصر وتوفي ودفن فيها عام 1980، ممّا تسبب في توتر بين القاهرة وطهران التي كانت تطالب بتسليمه، ولكن العلاقات بين البلدين تدهورت أكثر عندما أطلقت الحكومة الإيرانية على أحد شوارع طهران اسم خالد الإسلامبولي، ضابط الجيش المصري الذي شارك في اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات، خلال عرض عسكري عام 1981 في القاهرة.

لا شك أنّ الاتفاق الذي أُبرم بين السعودية وإيران لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، رفع الحرج عن إعادة العلاقة المصرية الإيرانية، وأنّ ما استجد بعد ذلك من «تطبيع عربي للعلاقة مع دمشق، الحليف العربي الأول لطهران، يجعل لأمر التطبيع بين القاهرة وطهران منطقًا له سياقاته ومبرراته وربما ضروراته» كما كتب محمد القواص في جريدة «النهار» اللبنانية.

إنّ خطوة إعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران ستصب في مصلحة البلدين وفي مصلحة أمن المنطقة، وستستفيد مصر من تلك العلاقة بتأمين المجرى المائي لقناة السويس، وضمان مرور آمن للسفن من باب المندب، «فضلًا عن أنّ انفتاح مصر على إيران سيسهم في حدوث طفرة سياحية قد تتجاوز عشرة ملايين سائح إيراني سنويًا، يتطلعون لزيارة المزارات الدينية ومراقد آل البيت، بالإضافة إلى إمكانية تنامي التبادل التجاري بين البلدين في ظلّ اتساع رقعة الاقتصادين المصري والإيراني، بشكل ستكون له فوائد على الاقتصاد المصري المتداعي»، كما يرى عبد الله الأشعل وكيل وزارة الخارجية المصرية السابق، فيما ستستفيد إيران من تلك العلاقة في فك الحصار والعزلة المفروضة عليها.

ومن نافلة القول إنّ أيّ تقارب إيراني عربي يزعج بالضرورة الكيان الصهيوني؛ إذْ لم يتأخر الأمر حتى ظهر الامتعاض في الصحافة الإسرائيلية. ففي مقال لصحيفة «يديعوت أحرونوت» تنقل المستشرقة سميدار بيري عمّا تصفها بمصادر إسرائيلية مختصة عن مسعى إسرائيل لدى القاهرة لمنع عودة العلاقات المصرية الإيرانية إلى سابق حالها الطبيعي، وتنقل عن تلك المصادر: «إنّ إسرائيل لن تسمح بعودة كاملة للعلاقات بين البلدين»، وكأنّ إسرائيل بيدها الأمر تأمر وتطاع، وهذا ما لمّح إليه حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي يرى أنّ هناك دولًا ستعمل على وأد أيّ تقارب مصري إيراني، لما لهذا التقارب من دور في إحداث تغييرات «جيو- استراتيجية» في المنطقة، ستتضرر منها تل أبيب، لأنه سيعمل على تحجيم تداعيات اتفاقات «أبراهام»، وهو ما يدركه ساسة تل أبيب، حيث يعتبرون أنفسهم أكبر متضرر من هذه الخطوة، «بالإضافة إلى أنّ هذا التقارب ووجود قنوات دبلوماسية، قد يسهم في تخفيف التوتر في العراق واليمن وسورية ولبنان، إذْ يمكن عبر القنوات الدبلوماسية الوصول لتسوية مهمة تسهم في حلّ أزمات هذه البلدان»، ولم يكن سامي الجابري الخبير بمركز الدراسات العربية بعيدًا عن رأي حسن نافعة، ففي حديثه للجزيرة نت عن التقارب المصري الإيراني يعتقد أنّ مصر ربما تتعرض لضغوط أمريكية وإسرائيلية لمنعها من السير في هذا الاتجاه، «لكن عليها أن تختار مصلحتها». كما يرى الجابري أنّ التحرك الإيراني نحو السعودية ومصر هدفه بشكل أساسي كسر العزلة الإقليمية والدولية على طهران والتغلب على جانب من المشكلات الداخلية.

في كلّ الأحوال لا ينبغي النظر إلى تطبيع العلاقات بين إيران ومصر وكذلك مع السعودية على أنه تكتل ضد أحد أو دخول في أزمة مع أمريكا أو أنّ الأمر موجهٌ ضد إسرائيل، بل يجب أن يُنظر إليه أنه الوضع الطبيعي، وما ليس بطبيعي هو التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعسى أن تكون دول المنطقة قد أدركت أنّ خلافاتها تستفيد منها أطراف أخرى، وأنّ هذه الخلافات تعطل مشاريع الدول في هذه المنطقة، ممّا يؤكد على أهمية التركيز على جوانب الحوار والتفاهم أكثر من الانخراط في الصدامات.

* تم نشر المقال بموافقة الكاتب ، نقلا عن جريدة عمان عدد الاثنين 29 مايو 2023م..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى