أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

الدبلوماسية بين القيادة الرشيقة والإدارة الكلاسيكية “2”..

الدكتـور/ سعـدون بن حسـين الحمـداني

دبلوماسي سابق – الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

 

الدبلوماسية بين القيادة الرشيقة والإدارة الكلاسيكية “2”..

 

تطرقنا في مقال سابق الأسبوع الماضي حول نظريات ومفاهيم وسمات الإدارة الكلاسيكية التي كانت تغطي على عالم إدارة الأعمال بستينيات وسبعيينات القرن الماضي باختلاف المدارس وآراء علماء الإدارة أنذاك.

الطفرة التكنولوجية التي حصلت في العالم نهاية القرن الماضي قد قلبت الموازين 360 درجة، وتحولت مصانع كبيرة مثل مصانع السيارات من الاعتماد على الإنسان البشري إلى الإنسان الآلي “الروبوت”؛ حيث كانت تعج بعدد كبير من العمال والموظفين على مختلف مستوياتهم، وأصبحت هذه الطفرة من ضمن أهم أعمدة القيادة الرشيقة التي اعتمدتها مباشرة المدارس الدبلوماسية بتقليل الكادر الدبلوماسي في السفارات؛ لأنها تقلل من نسبة الأخطاء البشرية، وتنجز الأعمال بشكل منظم ومحدد وبأقل الخسائر، ولو أن علماء الإدارة وعلم الاجتماع يعتقدون أن الإنسان الآلي تهديداً مباشراً للجنس البشري.

نُعَرِّج اليوم وباختصار على مفاهيم القيادة الرشيقة والتي تعتبر من مظاهر الدبلوماسية الحديثة؛ حيث اعتمدت السياسة الخارجية البريطانية وكذلك الداخلية على مبدأ وأسس القيادة الرشيقة؛ لكونها تنجز الأعمال بأقل الموارد البشرية والتكاليف المادية وبأقل وقت ممكن.

تعتبر القيادة الرشيقة من المفاهيم القيادية والإدارية التي ظهرت حديثاً في ثمانينيات القرن الماضي؛ حيث بدأ علماء وخبراء الإدارة بوضع اللمسات الأخيرة على نظرياتهم والتي أثبتت التفوق على مفاهيم الإدارة الكلاسيكية والتقليدية.

اعتمدت القيادة الرشيقة على مبدأ القائد الرشيق وهو “الذي يمتلك خبرات مهنية وأكاديمية ورؤية مستقبلية للأهداف التي يسعى لتحقيقها بأقل عدد من الموظفين وأقل موارد مالية، وبعيدا عن أنانية المنصب والمصالح الشخصية المقيتة، بالإضافة الى عدم تكديس موظفين في دائرة ليس لديهم أي مقترحات لتطوير العمل، وبالتالي يتحول العمل من إنتاجية كبيرة إلى عبء على الدائرة أو الجهة المسؤولة ومالية الدولة، بالإضافة إلى صفات القائد أو المدير عليه أن يمتلك مهارات عالية بفن الإتيكيت الحكومي والاجتماعي؛ لأنه يعتبر من العيب جدا على القائد والإنسان المسؤول الذي يعمل ضمن عجلة وبوتقة القيادة الرشيقة أن لا يكون لديه علم بنظام الأسبقية، أو حضور المؤتمرات الخارجية والداخلية، أو مهارات الاتصال والتواصل الاجتماعي، أو العلاقات العامة، أو توقيع الاتفاقيات الدولية، وغيرها من البروتوكولات الواجب التعرف عليها من خلال اندماجه ومشاركته بالورش وحضور البرامج التطويرية.

الـقيادة الرشيقة هي الـقـدرة عـلى إقناع قاعدة الموظفين لإنجاز أهداف مخطط لها للوصول إلى أفضل النتائج الإيجابية، وبأقل الخسائر، وبأقل الموارد البشرية والمادية معتمدة على أدواتها، وهي : التواضع، الهدوء، الحكمة، الصبر، الموضوعية، الثقة، الاعتمادية، الاستجابة، والخطط البديلة، الخبرة والمهنية، الأمان (الضمان)، الكفاءة الأكاديمية، الشورى بالأمر، مشاركة المعلومات، الابتعاد عن الأنا، نظم المكافآت الأسبوعي والشهري وغيرها من الأدوات التي تميزت بها القيادة الرشيقة.

تتفاخر المدارس الدبلوماسية وتتبارى على مختلف مسمياتها وجنسياتها وأماكنها لتوثّق وتدمج هذه العناصر مع بعضها (القيادة الرشيقة، الإدارة، الكفاءة والإنتاجية) كأنها تاج وروح الحياة اليومية، سواء عن طريق نظرية الاكتساب أم عن طريق نظرية التعلم، ويخضع الكادر الدبلوماسي في بعض الدول على وجه الخصوص بدورات وورش مكثفة في هذا الموضوع؛ لكي يعكس السمعة والصورة الجميلة والعصرية لبلده، وهي الآن أحد أقسام الدبلوماسية الحديثة، لأن تكديس موظفين في مقر سفارة أو ملحقية أو قنصلية قد يكون له مساوئ وسلبيات أكثر من الإيجابيات المرجوة من هرم الدائرة، حيث هناك النظرية التفاعلية، والنظرية المعرفية المعتمدة على العناصر الثلاثة (القيادة الرشيقة، الإدارة، الكفاءة والانتاجية).

إن أهم ما يميز القيادة الرشيقة هو التواصل الدؤوب، واحتضان ومواكبة كل النظريات والمفاهيم الحديثة التكنولوجية التي تخدم وتحقق الهدف المنشود، ومثال على ذلك؛ من فوائد جائحة كورونا إنعقاد لقاءات ومؤتمرات كثيرة على مستوى الرؤساء والملوك بنظام “الزووم” الذي حقق ما كانوا يصبوت إليه بأقل التكاليف والموارد البشرية، وأكثر من ذلك الهاجس الأمني الذي أصبح صفراً لدى الدول الراعية؛ لأن كل رئيس دولة في بلده، وليس هناك مواكب وسيارات وقاعات وحمايات ومرافقين وغيرها من البروتوكولات المعمول بها في لقاءات كبار الشخصيات، كما زاد الطلب على حضور المؤتمرات المرئية عن بعد والخدمات السحابية.

وفي الختام؛ علينا جميعا ابتداءً من (رب الأسرة الى أعلى درجة وظيفيه) من اتباع وتطبيق نظام ومفاهيم القيادة الرشيقة في حياتنا اليومية؛ فقد تحولت منازلنا الى مواقف للسيارات؛ فبدلاً من الإكتفاء بسيارتين على الأكثر في كل عائلة لإنجاز أعمالهم؛ نجد على العكس، وهذا شرخ كبير لاقتصاد رب الأسرة والعائلة، بالاضافة الى تأثر ميزانية الدولة أيضاً من حيث توفير البترول والأدوات الاحتياطية بالعملة الصعبة، والشوارع العريضة، والكادر الوظيفي، بالإضافة إلى مضيعة الوقت في الصيانة وغيرها من الأمور الفنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى