بين جنبات الحارة القديمة .. تفاصيل حياة سعيدة..
الإعلامي/ سعيد بن سيف الحبـسي
بين جنبات الحارة القديمة .. تفاصيل حياة سعيدة..
حارتي القديمة وما بقي بها من أطلال تذكرني بذلك الماضي الجميل الذي عشناه بين جنباتها ونحن صغار ، والتي امتزجت فيها براءة الطفولة وعفويتها وبساطتها مع عظمة المكان ، حيث بيوت الطين بغرفها الصغيرة وبقلوب ساكنيها العامرة بالعطاء النابضة بالحب والبشاشة والصفاء ، وبفلجها المتدفق بغزارة الذي لا ينضب معينه يسقي الأرض والإنسان فيها ، حارة عشنا فيها مع آباء وأمهات قد رحلوا عن حياتنا الدنيا إلى دار القرار ، ومع أصدقاء كرام البعض منهم قد فقدناهم وهم في عز الشباب والبعض لا زال معنا يقاسي معاناة هذا الزمان ، ما أجملها من حياة عندما تشرب من ماء تلك (الجحلة) وهي الوعاء المصنوع من الفخار يوضع فيه الماء ليبرد ويشرب منها الجميع ، وترتشف فنجان القهوة مع بضع من التمرات ، ما أروعها من حياة وأنت تتوجه إلى مسجد الحارة الصغير الذي تلتقي فيه بالجميع بلباسهم الأبيض النظيف والعمائم البيضاء والمصار ذات النقوش الخفيفة ، جميلة كانت تلك الحياة رغم قلة ما في اليد من مال ، فهي رحلة تعايش فريدة من نوعها لن يكررها الزمان ، رحلة رحلت بكل تفاصيلها الجميلة ، ورحلت مع رجالها ونسائها الكرام ولم يبقى منهم إلا القلة الذين يذكروننا بالماضي الأصيل .
كان الجار لجاره في وقت الرخاء والشدة ، في فصل الصيف والشتاء ، كانوا لا يسأمون من جيرانهم ، كانوا لهم السند والعون ، كانوا يأمنون على أبنائهم معهم في أثناء غربتهم وسفرهم لكسب الرزق ، كان الجار يستأمن جاره في كل ماله فلا يخاف من خيانة جاره للأمانة ، كانت بيوتهم مفتوحة لكل زائر من حضري وبدوي ، كانت السماحة سمتهم ، والتواضع منهجهم ، والكرم ديدنهم ، كانت قلوبهم متقاربة ، يتناصحون فيما بينهم ، كانوا يساعدون المعسر بلا من ولا أذى ، ويزرون المريض بلا مباهاة ولا معاناة ، ويواسون صاحب الفقد جبرا لفقدهم عزيزا عليهم ، كانوا يتشاركون اللقمة الواحدة غداء وعشاء ، ويخففون على بعضهم البعض مما يعانون من مصاعب الحياة وقسوتها .
كم كانت تلك الحياة جميلة ببساطة التعليم فيها ، حيث تعلم القرآن الكريم والفقه والعقيدة والسيرة النبوية واللغة العربية بنحوها وبلاغتها وشعرها وفصاحتها ، بسيطة في المعيشة حيث الزراعة والتجارة والصناعات الحرفية مثدرا للرزق والكسب الحلال ، بسيطة بقرب أهلها من ربهم ، بسيطة في حلوها ومرها ، حياة أشتقنا إليها رغم قلة ما في اليد حينها ، لكونها حياة كانت القلوب فيها غير قاسية ، كان الناس فيها لا ينظرون للمناصب ، حياة لم يبقى منها إلا الذكريات الجميلة التي ستبقى في ذاكرتنا بقدر ما سنحيا في هذه الدنيا .
كلـمـة أخـيـرة..
الحارة العمانية رمز للأصالة والأمانة ، ومنهج حياة يدرس للأجيال لمفهوم التعايش السلمي ، هي حضن للتسامح والتعاون والتكاتف والتكافل الاجتماعي والمحبة والإخاء ، هي رسالة مفادها (أننا راحلون .. وتبقى الأخلاق والذكريات والعمل الصالح) ، إنها الحارة العمانية بكل مفرداتها الرائعة تنسج حروف الإنسانية نسجا وتلبسه للدهر عزا وفخرا ، وتنشره في الأرجاء بلسما وعطرا ، فما أجملك من حياة لو تعود في زماننا هذا رأفة بنا من زخرف الحياة الزائفة…
احسنت اخي بارك الله فيك
نفتقد الماضي بكل تفاصيله الجميلة