بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

أوزبكستان ومنظمة السياحة التابعة للأمم المتحدة : شراكة تُحوّل القطاع السياحي

أومـيـد شـاد

رئيس لجنة السياحة في جمهورية أوزبكستان

يشهد قطاع السياحة في أوزبكستان فترة من النمو السريع. فعدد متزايد من المسافرين يكتشفون مدن سمرقند، وبخارى، وخيـوه، وغيرها من الجواهر الثقافية في أوزبكستان، كما أن الحكومة تُولي أولوية كبيرة لتطوير هذا القطاع، معتبرة إياه أحد المحركات الأساسية للاقتصاد الوطني.

ففي الفترة من يناير إلى أغسطس 2025 وحدها، زار أوزبكستان أكثر من 7.5 مليون سائح، ولا يزال هذا الرقم في تزايد مقارنةً بالعام السابق. ويعكس هذا الرقم الصعود المستمر للبلاد على خريطة السياحة العالمية، ويُظهر أن الجهود الشاملة في تطوير البنية التحتية، وتدريب الكوادر، والحفاظ على التراث الثقافي بدأت تؤتي ثمارها.

كما يُعزز تطوير السياحة في أوزبكستان من خلال الانخراط الدولي النشط. فمنذ عام 1993، لعبت شراكة البلاد مع منظمة السياحة التابعة للأمم المتحدة دوراً محورياً في ترسيخ مكانة أوزبكستان كقوة رائدة في السياحة العالمية.

ومنذ البداية، لم تسعَ أوزبكستان إلى المشاركة فقط، بل إلى أخذ دور ريادي في صياغة سياسات السياحة الدولية. فقد كانت القوة الدافعة وراء اقتراح واعتماد وثائق رئيسية مثل إعلان سمرقند (1994)، وإعلان خيـوه (1999)، وإعلان بخارى (2002). وقد أرست هذه المبادرات أساساً قوياً لإحياء السياحة والترويج لها، لا سيما على طول طريق الحرير التاريخي، وساهمت في جذب اهتمام المجتمع الدولي إلى أهمية الحفاظ على التراث الثقافي الفريد للمنطقة.

وخلال السنوات الماضية، توسع تأثير مبادرات أوزبكستان وحازت على اعتراف عالمي واسع. وبمقترح من أوزبكستان، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2027 عاماً دولياً للسياحة المستدامة والمرنة — وهو اعتراف مهم بمبادرات البلاد، وقد حظي بدعم أكثر من 80 دولة عضو في الأمم المتحدة. كما اقترحت أوزبكستان إنشاء الميثاق العالمي للسياحة الآمنة، الذي يهدف إلى وضع معايير دولية في هذا المجال. ولتنفيذ هذه المبادرة، تم تشكيل لجنة حكومية دولية، وتم انتخاب أوزبكستان بالإجماع لرئاستها. وأخيراً، في فبراير 2025، انضمت أوزبكستان رسمياً إلى الميثاق الدولي لحماية السياح، مؤكدة التزامها بحقوق المسافرين ومعايير السلامة الحديثة.

تغطي الشراكة مع منظمة السياحة التابعة للأمم المتحدة جميع جوانب تطوير القطاع السياحي. ما ومن بين أبرز هذه الجوانب: الحفاظ على التراث الثقافي والترويج له. وتحت مظلة برنامج “طريق الحرير”، تُعتبر أوزبكستان أحد الشركاء الرئيسيين للمنظمة. ويوجد مكتب موضوعي في مدينة سمرقند، يتولى تنسيق المشاريع والمبادرات والأبحاث المتعلقة بعلامة “طريق الحرير” الدولية تحت إشراف المنظمة. ويُكلَّف هذا المكتب بتنسيق أنشطة خبراء السياحة التابعين للمنظمة، بهدف تنشيط الحركة السياحية على طول الطريق التاريخي، وتقديم التوصيات التنموية المناسبة.

إلى جانب ذلك، تُولي البلاد اهتماماً كبيراً لبناء القدرات البشرية: فقد تم إنشاء أكاديمية السياحة الدولية في مدينة سمرقند، وتقدم برامج تدريبية قصيرة وطويلة المدى. وتتمتع الأكاديمية بشراكة مع مدرسة “ليه روش” السويسرية المرموقة، التي تُعد إحدى أبرز المؤسسات في تعليم الضيافة، حيث تُمكن من تدريب المتخصصين وفقاً للمعايير العالمية لصناعة الضيافة.

تلعب الفعاليات الدولية المُقامة في أوزبكستان دوراً محورياً في تعزيز التعاون مع منظمة السياحة. وكان أبرزها انعقاد الدورة الخامسة والعشرين للجمعية العامة لمنظمة السياحة في مدينة سمرقند في أكتوبر 2023، بمشاركة ممثلين من أكثر من 140 دولة. وخلال هذه الدورة، تم إعلان سمرقند عاصمة السياحة الثقافية في العالم. وشهدت الجمعية تنظيم منتديات استثمارية وتعليمية حضرها أكثر من 1,200 متخصص من 127 دولة. وتم توقيع اتفاقيات هامة، كما تم تدشين كل من أكاديمية السياحة الدولية ومكتب طريق الحرير الموضوعي. وقد أكّد هذا الحدث قدرة أوزبكستان ليس فقط على استضافة المنتديات الدولية الكبرى، بل أيضاً على قيادة أجندة تطوير السياحة العالمية.

تُظهر هذه الإنجازات أن أوزبكستان أصبحت واحدة من القادة في السياحة الدولية. فالبلاد لا تكتفي بتطوير قطاعها السياحي الداخلي، بل تساهم أيضاً في صياغة معايير وقيم جديدة على مستوى العالم. وفي السنوات المقبلة، من المتوقع توسيع البرامج التعليمية للأكاديمية، إلى جانب إطلاق مبادرات جديدة في إطار التعاون مع منظمة السياحة. وكل هذا يُعزز مكانة أوزبكستان كمركز رئيسي للسياحة يجمع بين التراث التاريخي، والبنية التحتية الحديثة، والقيادة الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى