
جمعيات المرأة .. من صخب الحفلات إلى صمت المبادرات
خالـصـة الصـلـتـي
من المؤسف أن جمعيات المرأة – والتي نشأت لتكون منابر لتمكين المرأة وتفعيل مشاركتها المجتمعية – باتت اليوم في كثير من الأحيان أقرب إلى قاعات احتفال وديكور اجتماعي، منها إلى مؤسسات تحمل رسالة وأثر.
نسمع عن حفلات هنا، وولائم هناك، ومصروفات متزايدة على مظاهر شكلية، بينما تغيب المبادرات النوعية والمشاريع المستدامة القادرة على أن تُحدث فرقًا في حياة النساء والأسر والمجتمع.
أين المشاريع التي تدعم الفتيات في التعليم والتوظيف؟
أين البرامج التي ترعى الأسر محدودة الدخل؟
أين المبادرات التي تُعنى بالصحة، وبريادة الأعمال، وبالتدريب والتأهيل؟
وأين الشراكات التي تعكس حضور الجمعيات كذراع مجتمعي حقيقي، لا كمنصة للصور التذكارية؟
لقد أصبح من الضروري إعادة النظر في أدوات هذه الجمعيات ورسالتها، فالمجتمع لم يعد بحاجة إلى المزيد من الحفلات، بل بحاجة إلى مبادرات تخلق قيمة مضافة، ومشاريع تسهم في تحقيق رؤية عُمان 2040 في تمكين المرأة، وتنمية رأس المال البشري، وتعزيز مشاركة المجتمع المدني في البناء الوطني.
إن الاستمرار في النهج الحالي هو إضعاف للثقة في العمل الأهلي وتفريغ لجوهره، وإهدار للفرص التي يمكن أن تضع الجمعيات في موقع ريادي. والمطلوب اليوم أن تتحول هذه الجمعيات من “جمعيات مناسبات” إلى “جمعيات مبادرات”، تقيس أثرها بالأرقام والنتائج لا بعدد الكراسي المزينة والبوفيهات الممتدة.
ويبقى السؤال الملح : أين دور وزارة التنمية الاجتماعية؟
فالمسؤولية لا تقتصر على تسجيل الجمعيات ومتابعة تقاريرها المالية، بل تتجاوز ذلك إلى توجيه مسارها الاستراتيجي، وضمان أن تكون خططها وبرامجها متوائمة مع أولويات الدولة ورؤية عُمان 2040.
الوزارة مطالبة اليوم بإعادة تقييم آليات عمل هذه الجمعيات، وفرض معايير واضحة لقياس أثر المبادرات والمشاريع، وربط الدعم المادي والمعنوي الذي تحصل عليه الجمعيات بنتائج ملموسة على أرض الواقع.
ولا يمكن أن نغفل جانبًا آخر لا يقل خطورة: غياب المعايير الواضحة لاختيار مجالس الإدارة. كيف يمكن أن ننتظر من جمعيات تقودها نساء بلا مؤهلات تعليمية مناسبة أو خبرات عملية حقيقية أن تنقل العمل النسوي من دائرة “الدان دان” إلى فضاء المبادرات التنموية المؤثرة؟
إذا كانت بعض رئيسات الجمعيات لم يكملن تعليمهن الثانوي، أو لم يسبق لهن إدارة أي مشروع مجتمعي أو تنموي، فكيف يُعقل أن يتحقق التغيير المنشود؟
إن القيادة مسؤولية، وليست وجاهة اجتماعية، والعمل الأهلي يحتاج إلى كفاءات واعية، مدرَّبة، ومؤهلة فكريًا وإداريًا وماليًا، قادرة على إدارة مشاريع مستدامة، لا على تنظيم مناسبات متفرقة.
ولذلك لا يكفي أن يُعاد النظر في شروط الترشح لرئاسة الجمعيات فقط، بل يجب أن تمتد المعايير إلى شروط العضوية ذاتها. فما كل امرأة التحقت بعضوية الجمعية ينبغي أن تُفتح لها تلقائيًا أبواب الترشيح أو التوصية العائلية لتصبح رئيسة. إن العضوية يجب أن تُبنى على معايير واضحة، من بينها الحد الأدنى من المؤهلات التعليمية، والسيرة العملية، والخبرة التطوعية، بحيث لا تتحول المجالس إلى تجمعات عائلية أو قبلية، وإنما إلى مجالس مهنية واعية قادرة على حمل الرسالة.
إن وضع آلية دقيقة لقبول الأعضاء، وربطها بمعايير الكفاءة والخبرة، سيضمن أن يكون الجسم الانتخابي أكثر وعيًا، وأن تصل إلى مواقع القيادة وجوه تمتلك مقومات التغيير لا مجرد “ختم” العائلة أو صداقة المجلس.
المجتمع يترقّب بعيون ناقدة، والتاريخ لا يخلّد إلا صنّاع الأثر لا شهود المشهد…
فهل آن أوان أن تكتب وزارة التنمية فصلها الحقيقي في سجل الوطن؟.