
عُمان بين الأصالة والابتكار….الثقافة في مفترق التحول
✍️ الدكتور محمد السيد يوسف لاشين
في زمنٍ تتسارع فيه الخطى نحو الرقمنة، وتتشابك فيه خيوط الحداثة مع جذور التراث، تقف سلطنة عُمان شامخةً على مفترقٍ ثقافيٍ فريد، حيث تتجاذبها رغبةٌ أصيلةٌ في الحفاظ على الهوية، وطموحٌ متقدٌ نحو الابتكار والاستدامة.
لم تعد الثقافة في عُمان مجرد احتفاء بالماضي، بل غدت مشروعًا وطنيًا مستقبليًا، يتناغم مع رؤية “عُمان 2040” التي جعلت من الثقافة ركيزةً للتنمية الشاملة، إذ شهدت الساحة الثقافية العُمانية هذا العام حدثًا مفصليًا تمثل في ملتقى المكتبات والمراكز الثقافية الأهلية 2025، الذي انعقد تحت شعار: “نحو مستقبل مبتكر ومستدام ثقافيًا ورقميًا”، وشارك فيه أكثر من 64 مكتبة أهلية و9 مراكز ثقافية مستقلة من مختلف محافظات السلطنة، في مشهدٍ يعكس حيوية المجتمع المدني الثقافي، وحرصه على مواكبة العصر دون التفريط في الأصالة.
أكثر من 120 فعالية ثقافية نُظمت خلال الملتقى، وتم إطلاق منصة إلكترونية موحدة للمكتبات الأهلية، تهدف إلى رقمنة الأرشيف وتسهيل الوصول إلى المحتوى، نسبة المكتبات التي بدأت التحول الرقمي ارتفعت من 22% عام 2022 إلى 61% في منتصف 2025، هذا التحول لا يعني فقط نقل الكتب إلى صيغة إلكترونية، بل يشمل أيضًا إدارة الفعاليات، التسويق الثقافي، وتدريب الكوادر الشابة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في خدمة الثقافة.
في ظل رؤية “عُمان 2040″، برزت السياحة الثقافية كأحد المحاور الاستراتيجية التي تربط بين الهوية الوطنية والتنمية الاقتصادية، لم تعد القلاع والحصون مجرد شواهد تاريخية، بل تحولت إلى منصات تفاعلية تستقطب الزوار وتروي لهم حكاية الإنسان العُماني عبر العصور، أكثر من 1.2 مليون زائر للمواقع التراثية في عام 2024،
وتم إدراج 7 مواقع ثقافية جديدة ضمن خارطة السياحة المستدامة.
ارتفعت مساهمة السياحة الثقافية في الناتج المحلي من 0.8% عام 2020 إلى 2.3% عام 2025، إنها ليست مجرد أرقام، بل هي شهادة حياةٍ جديدةٍ للتراث، حين يُعاد تقديمه بلغة العصر، دون أن يفقد نكهته الأصلية.
فقد كانت سلطنة عمان وكعادتها تستعد للمشاركة في إكسبو 2025 – أوساكا بجناحٍ يحمل عنوانًا بليغًا: “روابط ممتدة”، وهو عنوان لا يخلو من دلالة، إذ يعكس رغبة عُمان في مدّ جسور التواصل الثقافي مع العالم، من خلال محاور إنسانية عميقة: الإنسان، الأرض، الماء،، الهوية، والتفاعل الحضاري، الجناح العُماني لم يكن مجرد عرضٍ بصري، بل تجربة ثقافية متعددة الحواس، تروي قصة شعبٍ حافظ على ملامحه، وفتح قلبه للعالم.
إن ما يشهده المجتمع الثقافي العُماني اليوم ليس مجرد حراكٍ موسمي، بل هو تحولٌ بنيويٌ عميق، يعيد تعريف الثقافة بوصفها أداةً للتنمية، وجسرًا للتواصل، ومرآةً للهوية، وبين رقمنة المكتبات، وتفعيل السياحة الثقافية، والانفتاح على العالم، تكتب عُمان فصلًا جديدًا في كتابها الحضاري، فصلًا عنوانه: “نحن نُبدع، لأننا نعرف من نحن”.