
خطة ترامب لغزة بين ثوابت حماس وردود الفعل الدولية!!..
الدكتور خالد بن عبدالرحيم الزدجالي
أعاد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطته الأخيرة لغزة في سبتمبر 2025 فتح النقاش حول المبادرات الدولية والإقليمية الهادفة إلى إنهاء الصراع. الخطة المؤلفة من عشرين بندًا بدت شاملة، لكنها أثارت جدلاً واسعًا، خاصة أنها تكرّر إشكالات رافقت مبادرات سابقة.
ملامـح الخـطـة..
تتضمن الخطة وقفًا فوريًا للقتال، تبادلًا للأسرى والرهائن (إفراج إسرائيل عن 250 محكوماً بالمؤبد و1700 معتقل مقابل عودة الرهائن خلال 72 ساعة)، وعفوًا عن عناصر حماس الذين يسلّمون سلاحهم أو يغادرون القطاع. وتشمل إدارة انتقالية غير حزبية بإشراف دولي، مساعدات للإعمار، منطقة اقتصادية خاصة، قوة استقرار دولية، انسحابًا إسرائيليًا تدريجيًا، وضمانًا لعدم التهجير، مع رقابة تمنع إعادة بناء البنية العسكرية.
المبادرات السابقة وموقف حماس منها..
منذ 2014، طرحت مصر مبادرات لوقف إطلاق النار وفتح المعابر تدريجيًا، فيما ركّزت قطر والأمم المتحدة على إدخال مساعدات ورواتب. أما “صفقة القرن” (2020) فقدّمت حكمًا ذاتيًا موسّعًا بدل الدولة، مع تنازلات عن القدس وحق العودة. وبعد حرب 2023 ظهرت مقترحات لإدارة مشتركة للقطاع.
رغم مكاسب إنسانية محدودة، رأت حماس أن هذه المبادرات تجاهلت جوهر القضية وأبقت الحصار. وبالنسبة لخطة ترامب، ترى الحركة أن نزع سلاحها يعني إنهاء مشروعها المقاوم، وأن أي إدارة انتقالية تُقصيها تكرّس الوصاية. لذا فالرفض متوقّع، مع احتمال قبول جزئي لبعض البنود الإنسانية أو في ملف الأسرى.
ردود الفعل والبيان المشترك..
رحّبت بعض العواصم العربية والإسلامية بالخطة باعتبارها فرصة لوقف الحرب وفتح أفق للتسوية، لكن دوافع الترحيب اختلفت؛ فبعض الأنظمة رأت فيها وسيلة لتخفيف الضغوط الدولية، وأخرى تعاملت معها كإجراء مؤقت يتيح لها التنفس سياسيًا واقتصاديًا، فيما أراد البعض إثبات حضوره كشريك في أي ترتيبات مقبلة.
في المقابل، اعتبرت قوى فلسطينية قريبة من المقاومة أنها إعادة إنتاج لوصاية دولية مرفوضة، وذكّرت بأن كل التجارب السابقة التي أُديرت خارجيًا انتهت إلى الفشل أو الهشاشة.
أما العواصم الغربية فقد عبّرت عن ترحيب حذر وسط شكوك حول التنفيذ، خاصة في غياب مشاركة حماس. وعلى مستوى الشارع العربي والفلسطيني، غلبت الشكوك والرفض، إذ يرى كثيرون أن الحلول الاقتصادية لا تعالج الحقوق الوطنية وأن أي وصاية خارجية ستبقى هشة.
وفي خضم هذه المواقف، صدر بيان مشترك عن وزراء خارجية الإمارات والسعودية وقطر ومصر والأردن وتركيا وباكستان وإندونيسيا، ما زاد الجدل لأنه أوحى بغطاء إسلامي واسع في حين أن الغالبية العظمى من الدول العربية والإسلامية غابت. كما أن الدول المشاركة معروفة بعلاقاتها الظاهرة أو الخفية مع إسرائيل، ويبدو أنها كُلّفت من واشنطن وتل أبيب بتسويق الخطة رغم كل ما حدث ويحدث على الأرض. وهكذا بدا المشهد وكأن هناك إجماعًا إسلاميًا، بينما الحقيقة أن معظم العواصم اختارت الغياب أو الصمت، وهو ما يفضح هشاشة هذا الغطاء.
أزمة الثقة في ترامب وبلير..
العقبة الأهم ليست في النصوص وحدها بل في هوية من يطرحها. فترامب، الذي يقود المبادرة، لا يُرى وسيطًا بل خصمًا؛ يخشاه بعض الحلفاء ويشكك فيه كثيرون بسبب نقض العهود وابتزاز الدول الغنية. فقد نقض وعودًا في ملفات إيران والدوحة، وابتز حلفاءه ماليًا، وتقلب في موقفه من أفغانستان بين الانسحاب والعودة العسكرية، في دلالة على نزعة انتقامية. كيف يمكن لحركة مقاومة أن تسلّم رقبتها لزعيم يُنظر إليه بهذا القدر من عدم المصداقية؟
أما توني بلير، المرشَّح لعضوية “مجلس السلام”، فارتبط اسمه بغزو العراق 2003 وما نتج عنه من كوارث، ما يجعله في المخيال العربي رمزًا لفقدان الثقة. ولو كانت النية صادقة، لكان الأنسب اختيار شخصية من دولة محايدة أو من أميركا اللاتينية، لا من بريطانيا ذات التاريخ الاستعماري.
بهذا المعنى، يصبح رفض حماس ليس مجرد موقف ضد بنود، بل ضد وساطة تُعيد إنتاج منطق الهيمنة.
خاتـمـة..
خطة ترامب قد تفتح نافذة لوقف مؤقت للقتال أو لتدفق مساعدات، لكنها صيغت بطريقة تجعل الرفض متوقَّعًا، ما يمنح غطاء لاستمرار الضغوط والعنف ضد الفلسطينيين. إن كان الهدف تغييرًا سياسيًا حقيقيًا، فالبداية بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين وبوسيط موثوق، لا بشروط تعجيزية بوجوه فقدت ثقة الشعوب. فالمعادلة السياسية دون معالجة الجرح الإنساني في غزة تظل ناقصة، وأي مبادرة لا توازن بين البعدين محكوم عليها بالهشاشة. المعادلة بسيطة: لا ثقة بلا حياد، ولا سلام بلا عدالة.