
الوعي الأمني في المجتمع
محمد بن علي الشعيلي
Mohammed.shueli@moe.om
لا شك بأن أمن المجتمعات مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية قال تعالى : ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [النساء : ١٠٣]. وهي من المبادئ الأخلاقية عند الفرد وصدق من قال : إذا الإيمان ضاع فلا أمان .. ولا دنيا لمن لم يحيي دينه. وتحقيق الحياة الكريمة في أي مجتمع من المجتمعات هي غاية كل مؤسساته وأفراده فنعمة الأمن من أعظم النعم بعد الإيمان، فهي تحفظ النفوس وتحمي الأرواح، والعيش الكريم يرتبط بمدى إحساس أفراده بالأمن فغالبًا ما تشكّل انتهاكات حقوق الأفراد الأسباب الجذرية التي تولّد النزاعات وانعدام الأمن، و بانعدام الأمن تنعدم سلامة الأفراد والجماعات، ويتولد الخوف والقلق، وعدم الاستقرار، وتنتشر الفوضى.
ليس من المنطق أن يكون العامل الوافد الذي يعمل في محطة غسيل السيارات، أو العامل في محل الحلاقة في مجتمع ما يعرف كل تفاصيل هذا المجتمع من أفراد وعائلاتهم، بل وتحركاتهم، ومستوى معيشة كل فرد، بل وأكثر من ذلك كله؛ شيء مزعج أن يكون شخص غريب عن مجتمعك يعرف عنك كل شيء، نعم إنه ليس من المنطق أن يكون أحد أفراد المجتمع صاحب مسؤولية مجتمعية وبطريقة ما يتم نهب أمواله بسبب استمالته وإغرائه بما يسيل اللعاب، وبعدها يدرك بأنه أصبح أحد ضحايا الابتزاز الالكتروني، نعم ليس من المنطق أن تصبح يوما ما أحد ضحايا فخ جريمة ابتزاز؛ هناك الكثير من الأمور غير المنطقية في حقيقتها ولكنها موجوده في واقعنا.
في التزام الحدود راحة للنفس يقول الله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) – “البقرة : 155-156-157”. مما ينبغي علينا معرفته أن لكل علاقة بيننا وبين أي فرد نتعامل معه أيا كان وفي أي بقعة من الأرض توجد هناك مسافة أمان وحدود في الحديث، وفي كل تعامل يجب على الآخر أن لا يتعداها؛ يقول مصطفى محمود : (حفظ المسافة في العلاقات الإنسانية؛ مثل حفظ المسافة بين العربات أثناء السير فهي الوقاية الضرورية من الاصطدامات المهلكة). كل ذلك من أجل صون الحقوق، وحتى تكون علاقاتنا ناجحة، ولحفظ الود، و احترام مشاعر الغير، وحماية الأسرار.
إن الوعي الأمني في ظل الانفتاح المعرفي أصبح ضرورة ملحة لكل فرد من أفراد المجتمع؛ حيث أننا نعيش عصر الانفجار المعلوماتي، والتداخل الثقافي، والكل مطالب بحماية معلوماته الشخصية أو المؤسسة التي يعمل بها، أو المجتمع الذي يعيش فيه.
إن أمن المجتمع والحفاظ عليه وعلى ممتلكاته ليس مقتصرا على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، بل هو عملية تشابكية بين جميع المؤسسات، بل ويُعنى بذلك كل فرد من أفراد المجتمع، فعلى كل فرد من أفراد أي مجتمع أن يدرك ضرورة الوعي الأمني لحمايته وحماية خصوصياته وكل ما يؤثر على مجتمعه ووطنه؛ سواء كان متواجداً داخل بلده أو خارجه؛ فكل معلومة عنك أو عن مجتمعك هي قد تعني شيئا مهما للغير، والتي قد ترى أنت بأنها معلومات سطحية لا تعني لك شيئا مثل : (الوضع الاقتصادي والتجاري، متوسط دخل الفرد، قضايا المجتمع كالطلاق والباحثين عن عمل …الخ)؛ بينما هي تعني للغير قاعدة بيانات مهمة، وعليه .. فإن على كل فرد من أفراد المجتمع أن يدرك جيدا بالأساليب الحديثة في كيفية اصطياد الضحايا، وأن يكون الحس الأمني حاضرا معه في جميع الأوقات، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “مَن رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم.
يجب علينا أخذ العبرة والعظة مما وقعت فيه بعض المجتمعات التي كانت ضحية انعدام الوعي الأمني فيها؛ مما أدى إلى انهيارها وانهيار المقومات التي تساعد على استمرار وجودها، يقول جل جلاله : ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر : 2]، وأن نكون الحصن الحصين الرادع لكل ما يمس استقرار مجتمعنا، حتى يكون واحةً للأمان.