مقالات وآراء

قـراءة فـي كـتـاب : (حـروب دولة الـرسـول) .. الجـزء الأول .. للدكـتـور سـيـد محـمــود القـمـنـي..

 

الكاتـب/ فـهـد الجـهـوري

almnsi2020@gmail.com

 

 

“قـراءة فـي كـتـاب”

(حـروب دولة الـرسـول) .. الجـزء الأول..

للدكـتـور سـيـد محـمــود القـمـنـي

 

مما لا شك فيه أن القراءة في التاريخ الاسلامي من منظور مختلف يشكل تحدياً كبيراً سواء للباحث التاريخي أو للقارئ الذي ينطلق من قراءة إيدلوجية بحتة، وكتاب (حروب دولة الرسول) للدكتور سيد محمود القمني يمثل قراءة مختلفة غير نمطية عن الحروب التي خاضها الرسول، لتشكيل نواة الدولة الإسلامية بقوة السيف على خلاف ما يُنشر من مثالية في تلك الحقبة الغابرة من تاريخ الإسلام، قدم سيد القمني في هذا الكتاب صورة تفصيلية عن حال مكة وسادتها التجار الأرستقراطيّين وأحوال المجتمع المكي وقريش تحديداً ، لما تمثله قريش من قوة ومهابة وثراء كبير بين القبائل المحيطة بمكة مما أسهم في رفض الدعوة النبوية بشكل قاطع، فتجارة قريش كانت معتمدة اعتماداً كلياً على طريق الإيلاف التجاري الممتد من جنوب اليمن إلى الشام، وهو الطريق الذي استغلته قريش لتجارتها وتحصيل الضرائب على القوافل التجارية من خلال تحصيل عشور القروش مقابل إراحة القوافل في مكة ومن هنا حسب الرواية التاريخية جاء مسمى قريش.

ذهب بنا القمني في هذا الكتاب لتكوين صورة واقعية للرسول وأصحابه في تأسيس دولة خضعت لكل عوامل التدرج و التطور المرحلي الإنساني الطبيعي، مبتعداً عن الرواية الدينية التقليدية التي كانت ولا زالت تقول إن كل ما حصل من توسع لرقعة الدولة الإسلامية كان سيحصل لأن الأوامر الإلهية قضت بهذا مسبقاً، بينما يعتبر سيد القمني أن حروب الرسول نجحت بحسن التخطيط وظهر هذا جلياً في أحداث موقعة بدر، وفشلت كذلك لفشل التخطيط مثلما حصل في موقعة أُحد حينما تجرع المسلمون هزيمة عظيمة على يد قريش وحلفائها، حتى أن الرسول كاد يُقتل، وكثير من الصحابة والأنصار فرّوا من حوله ولم يسمعوا نداءه بالثبات ، ناهيك عن حمايته من موت محقق وهو ينادي عليهم (إلي يا فلان، إلي يا فلان، أنا رسول الله)، بل وتشكك الكثيرون أثناء وبعد هزيمة أُحد من قصة النبوة برمتها، ومن أشهر الكلمات التي تتداولها مراجع المسلمين كلمات عتاب بن قشير الأنصاري وهو يشاهد سفك دماء المسلمين بغزارة حيث قال (لو كان من الأمر شيء ما قُتلنا ها هنا).

تناول الجزء الأول من هذا العمل بكثير من الإسهاب كل المعارك التي خاضها الرسول حتى موقعة أُحد، وتظهر الروايات المعتمدة كمراجع لدى المسلمين أن الرسول لم ينفصل عن واقعه الدنيوي من تخطيط منظم إلى إغراء بالغنائم والسبايا مع إسناد بآيات قرآنية تتماشى مع ظروف الموقف، ولنا في اختلاف الخطاب النبوي بعد بيعة العقبة الثانية مثال حي من كونها معاهدة دفاعية كانت إلى حلف هجومي مع الأنصار والمهاجرين، يقول القمني في هذا الجانب ما نصه :

(وهكذا، تحول اتفاق الأنصار مع النبي في العقبة الثانية إلى غايته المضمرة، وأدرك الأنصار أنه قد آن أوان الإفصاح عن كامل بنود ذلك الحلف، التي وعوها مبكراً في قولهم للنبي آنذاك : “إن شئت لنميلنّ غداً على أهل منى بأسيافنا”، فأجّل النبي الإمالة بالسيف إلى ما بعد، وقد جاء أوان الما بعد، الذي طور البنود المعلنة، من ميثاق دفاعي لتسفر عن البند المرجأ الذي يجعل الميثاق حلفاً هجومياً محارباً، فتحولت عناصر الجماعة الإسلامية كلها ، مهاجرين و أنصار، إلى دولة محاربة هجومياً، دولة عسكر ومغانم متكاملة مقاتلة، كالقبيلة تماماً، وبذات منطقها، لكن بعد أن تحوّل الولاء عن القبيلة وسلفها المعبود إلى الدولة ممثلة في رجال الحرب والدم والحلقة، الذين تحولوا عن الإجارة إلى الإغارة؛ هنا نقطة التحول المادية الخطيرة، التي لعبت دوراً عظيماً في جذب الأتباع من مستضعفي القبائل ومحاربيهم، بعد أن ظل النبي في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو دون إجابة العدد الكافي من المستضعفين إلى دعوته، حيث كانت الدعوة تؤجل الوعد بالنعمة والرفاه إلى الآجل في رغد جنة الخلد، وهو ما ظهر كما لو كان تأجيلاً ميتافيزيقياً لحل قضيتهم، و إرجاء رفع الشقاء المادي عن حياتهم الآنية، في مجتمع تجاري مادي بحت، ولهذا عندما تم الإعلان عن مغانم أحلها الله لرسوله والمؤمنين من أموال المشركين، أصبح الحل حقيقة مادية دنيوية ملموسة، ومكاسب عينية ماثلة أمام المستضعفين، تدعوهم إلى دخول جيش الدولة الجديدة، وهو الهدف الذي سيفصح عن نفسه عملياً في المكاسب التي ستحققها الغزوة البدرية لجماعة المسلمين، لتحول حالهم الشظف إلى حال آخر، وفي تحالف القبائل المحيطة بالمدينة مع القوة الإسلامية).

هكذا إذن يرسم لنا الدكتور سيد القمني صورة مختلفة وعلى أغلب الظن لن تكون مستساغة من جانب المتعصبين دينياً عن جوانب قدمتها المصادر الإسلامية نفسها المعتمدة لدى المسلمين لأحداث وتفاصيل لحروب الرسول الأولى.

على أمل أن نقوم بتلخيص الجزء الثاني من هذا العمل المهم..

تعليق واحد

  1. دخول المسملين في الإسلام كان دخولا اختياريا، مع اختلاف ظروف بعض الأشخاص عن بعض، وهذا الأمر كان ولا يزال يحدث، وهذا أمر له ظاهر: وهو إظهار الإسلام وشعائره، وله أمر باطن لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى وهو حقيقة الإيمان، والأصل أن الظاهر يدل على الباطن.

    أما انتشار رقعة الإسلام وسيطرته على الأرض فلا شك أنه بالسيف (الجهاد في سبيل الله)؛ وهذه ضرورة حتمية، إذ لا بد أن يخضع الناس كلهم لحكم الإسلام، وليس بالضرورة أن يكونوا مسلمين، لكن تجري عليهم أحكام الإسلام ـ كأحكام أهل الذمة مثلا ـ قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) …

    أما مسألة الغنائم فهذا شيء أحله الله سبحانه وتعالى تبعا للجهاد؛ إعانة للمجاهدين وتشجيعا لهم …

    وأحكام الجهاد أتت على التدريج بما كان يلائم حال المسلمين…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى