بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

‏هيمنة بلا مستعمرات وردّ حماس..

الدكتور عدنان بن أحمد الأنصاري

محلّل سياسي ، ودبلوماسي ، وسفير سابق

 

‏السياسة الدولية، ليست ساحة أخلاقية بل مسرح صراع بين إدراك القوة وحدودها.

‏في لحظة تاريخية متفجرة كالتي نعيشها، حيث غزة تحولت إلى اختبارٍ مفتوح لقدرة واشنطن وتل أبيب على فرض هندسة جديدة للشرق الأوسط، جاءت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف القتال، مصحوبة بتغريدة تهديدية صريحة، لتكشف عن جوهر الإمبراطورية الأمريكية :

‏تغريدة ترامب تكشف أسلوب “الصفقة بالعصا” :

‏• التهديد الصريح : “سيُبادون كما لم ير أحد من قبل” – لغة إبادة تستحضر منطق الحروب الشاملة لا الدبلوماسية.

‏• إعادة تعريف الشرعية :
‏عبر إلزام جميع الدول العربية والإسلامية بالموافقة مسبقاً، وهو ما يعيد تشكيل الشرعية من الداخل العربي نفسه.

‏هذا ليس مجرد خطاب حرب، بل استعراض لنموذج الهيمنة الأمريكي :
‏اتفاق سلام تحت التهديد، يضمن أمن إسرائيل، ويُشرعن الدور الأمريكي كعرّاب وحيد للنظام.

‏واليوم، خطة ترامب ليست مشروع “سلام” بالمعنى التقليدي، بل نسخة عسكرية ـ سياسية من اتفاق الأجواء المفتوحة :

‏الهيمنة بلا مستعمرات، شبكة متداخلة من القواعد، العملات، الممرات، والمؤسسات التي تعيد إنتاج السيطرة دون رفع الأعلام على القلاع.

‏لم تعد واشنطن تقيس قوتها بعدد المستعمرات كما فعلت بريطانيا أو إسبانيا، بل بعدد العُقد الاستراتيجية :
‏قواعد عسكرية في كل قارات العالم، ممرات مالية عبر الدولار؛ وممرات لوجستية عبر اتفاقات الطيران والملاحة.

‏نيويورك وواشنطن صارتا مركز القرار لا فقط عبر الأساطيل، بل عبر الدولار وصندوق النقد والبنك الدولي.

‏• لغة التهديد المطلق :
“جهنم غير مسبوقة ستشتعل ضد حماس”.

‏• الجزرة المشروطة :
“فرصة أخيرة للنجاة” مقابل الإفراج عن الرهائن.

‏• إعادة صياغة الشرعية :
إشراك الدول العربية والإسلامية في “اتفاق إقليمي شامل” يسبق أي مفاوضات فلسطينية داخلية.

‏الدبلوماسية بالقوة حيث التفاوض ليس بحثًا عن حل وسط، بل فرضٌ لحل عبر التهديد بالتصعيد الكارثي.

‏وبما أن السياسة الدولية لا تُدار بالنيات بل بميزان القوى، حيث تتحول الجغرافيا والتاريخ إلى أدوات في يد من يحسن قراءتهما.

‏انطلاقًا من هذا التصور، تأتي خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف القتال في غزة (أكتوبر 2025) بوصفها نموذجًا حيًا لاستمرارية الإمبراطورية الأمريكية بلا مستعمرات.

‏القوة بلا شرعية تؤدي إلى مقاومة، والشرعية بلا قوة تؤدي إلى عجز..

‏التحدي اليوم هو خلق معادلة تجمع بين الصمود الفلسطيني ووزن عربي قادر على تحويل الموقع الجغرافي إلى عقدة لا يمكن تجاوزها.

‏رد حماس – تموضع بين المرونة والثوابت..

‏• التمسك بالحقوق الوطنية : رفض التهجير، رفض الاحتلال، التشديد على حق الشعب الفلسطيني.

‏• المرونة التكتيكية :
‏قبول وقف القتال، تسليم إدارة غزة لهيئة تكنوقراط فلسطينية، الإفراج المتبادل عن الأسرى.

‏• تشبيك الشرعية :
‏إحالة القضايا الكبرى إلى إطار وطني جامع، ما يمنع حصرها في إطار أمريكي ـ إسرائيلي.

‏1. الزمن كسلاح :
‏واشنطن فرضت مهلة زمنية (الأحد مساءً) – تقنية ضغط كلاسيكية في إدارة الصراعات.

‏2. إسرائيل كمضاعف قوة :
‏تعمل كذراع متقدم للشبكة الأمريكية، تجمع بين الردع العسكري والتفوّق التكنولوجي.

‏3. الموقع العربي كعقدة مهددة :
‏إما أن يبقى العرب موضوعًا للتدفّقات (نفط، غاز، استثمارات، ممرات)، أو أن يتحولوا إلى مصمّمي شروط المرور والمعايير.

‏التاريخ لا يعيد نفسه لكنه يترك إيقاعات لمن يحسن الإصغاء.

‏إيقاع اللحظة يقول إن غزة ليست فقط ساحة حرب، بل مختبر لمستقبل التوازنات الدولية :
‏إما استمرار الهيمنة الأمريكية بلا مستعمرات، أو ولادة نظام مركّب يتقاطع فيه الشرق والغرب على طاولة جديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى