بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

أوروبـا كـمـا رأيـتـهـا .. الجـزء (10)..

الكاتب/ عبدالله بن عبدالرحيم البلوشي

 

أوروبـا كـمـا رأيـتـهـا .. الجـزء (10)..

 

للصباح في بازل رونقها وجمالها ، خاصة إذا امتزج هذا الجمال بالوجوه المبتسمة ورائحة الخبز الطازج وهو يخرج من الفرن ، تستقبله الأيادي اللاهفة بوضعها في الصحون المنتظرة لينتهي به المطاف في البطون الخاوية مع ما لذ وطاب من الأجبان السويسرية والفواكه الشهية والعصائر الطبيعية اللذيذة ، الأجواء اللطيفة والمناظر الخلابة ووجوه الناس المبتسمة مع بداية يوم جديد تجعلك تعيش في عالم أقرب إلى الخيال .. كنا من زمرة المنتظرين للإفطار الشهي قبل الانطلاقة للوجهة الجديدة في هذه المدينة العريقة ؛ اليوم هو الأحد 30 من الشهر الثامن لسنة 2015 ميلادية ؛ مدينة تحتضنها الجبال وتنساب من على قممها المياه العذبة الرقراقة ، وهي جزء من جبال الألب الشهيرة.

كثيرة هي الوجهات للاستمتاع بتلك المناظر المحيطة بالزائر ، خاصة من جاء من البيئات المقفرة ، لكن بيئتنا العمانية ولله الحمد أحسن رونقاً عن كثير من البيئات القريبة منها والمجاورة لها.

كانت وجهتنا في هذا اليوم من ذلك العام إلى إحدى المتنزهات الجبلية التي كانت تبعد عن المدينة بمسافة لا تزيد عن كيلومترات قليلة ؛ جبال الألب في سويسرا ، التي يشار إليها بأنها من أجمل المناطق في روعتها وبهاء مناظرها الطبيعية ،  ويمثل سمة رئيسة لهذا البلد ، وهذه الجبال واحدة من المناطق الطبيعية العتيدة الثلاث في سويسرا منها الهضبة السويسرية.

تمتد جبال الألب السويسرية على طول جبال الألب الغربية والألب الشرقية، وتشمل منطقة جبال الألب الوسطى.

انطلقنا إلى وجهتنا ، بين البساتين الغناء والشوارع الفسيحة غير المزدحمة الحركة ، يضيق الطريق كلما اقتربنا من محطة الدخول الى المنتزه ، وكالعادة تشاركنا ميثاء وأخوها حمود في الشرح وكثير من الأسئلة الفضولية التي هي ديدن  الأطفال الصغار ، والسيارة تسير الهوينا بين البيوت التي جلها ذات طابق واحد ونمط متشابه ، مثل اكثر القرى الأوربية صممت لتناسب الحياة عندهم جسد بدون روح ، سرح بي الخيال إلى ذاك المعمار البديع في تركيا تشد العقل  وتبهر العين بتصاميمها .. فيسرح بك الخيال الى ذاك المهندس البارع الذي يضرب به المثل القائل : “جزاء سنمار” ، فكثير من مهندسي العصر لا يعرفون عنه إلا القليل ، تحاك حوله القصص والأساطير، ولكن المؤكد أنه كان مهندساً بارعاً لم تتحدث لنا القصص بما يستحق.

على الجانب الشمالي من جبال الألب ، تغطي المناطق الواقعة في المرتفعات العالية بثلوج بيضاء كأنها لآلئ مرصعة ، على عنق حسناء متربعة على عرش الجمال يحيط بها الغلمان والخدم والوصيفات.

اقتربنا من نقطة التجمع وقطع تذاكر الصعود في العربة الكهربائية  الـ (تليفراك) ، الناقلة لنا الى السطح العلوي للهضبة ، ومنها الانطلاق إلى قمة الهضبة الغناء ، من أجمل المناطق التي مررنا بها ، أخذنا مقاعدنا في العربة ذات المقاعد الأربعة فانطلقت بنا على أسلاك بسرعة فائقة ، ولكنها لا تحجب عنك تلك المناظر البكر ، والتي لم تؤثر عليها التقنية الحديثة ولم تخضع للنشاطات البشرية  إلا القليل وبشكل غير مؤثر على طبيعتها ، ولا سيما جبالها الخضراء الشاهقة وغاباتها الغناء المترامية الأطراف وينابيعها الجارية بأعذب المياه الصافية وأشجارها الباسقة ، وفيها تعانق السحب أروع السهول الخضراء وكل قطعة منها مفعمة بالحياة ، فهي بقعة من الجنة على الأرض وآية من آيات الله عز وجل … حطت بنا العربة في المحطة المختارة على سفح يعج بالبشر الزائرين والكل مشغول وفرح بما يرى ويشاهد ، وما كان للفرح أن يتأخر عن ركبنا  .. سلكنا الدرب إلى أعلى الجبل بعد أن التقطنا كثيراً من الصور التذكارية .. رأينا في سيرنا معروضات من العسل والمربّى ومختلف الفواكه بأنواعها الصيفية والشتوية ، لكن دون وجود البائع ، لها أسعار كتبت على كل سلعة ونوع من هذه السلع ، منها تعرف صدق البائع وامانة المشتري ، وتدرك القيم الحقيقية للأمانة والصدق ، فيها عرفنا أن المعاملات بين بني البشر أعلى قيمة من إيمان بلا روح  ولا تطبيق ، هناك أيضاً الكثير من المراكز لتربية النحل وإنتاج العسل ، وزراعة الفواكه اللذيذة في أطراف الهضبة وبجنبات البيوتات المعلقة .

انتهى بنا المطاف الى مطعم ريفي بديع التصميم جميل المنظر والتصميم على أعلى تلك الهضاب من جبال الألب الشهيرة ، وقد أخذ الجوع منا مأخذه وما كان من إلا السمع والطاعة لندائه .. فكانت وجبة شهية مع ضحكات الأطفال وفرحتهم بالجولة الرائعة وبمنظر قطعان الخرفان والبقر وهى ترعى على القمم والسفوح ؛ كل قطيع فرح بما يأكل.

اقتربت ساعة العودة ودق جرس النهاية حيث تنزل آخر عربة في الساعة السادسة مساء ، وإلا بتنا في المحطة العلوية حيث توجد الاستراحات بمبالغ معقولة .. ولكن القرار قد صدر ، والسيف قد سبق العذل ، فقد دقت أجراس العودة ، وانطلق الجمع في سيره رجوعاً إلى (بازل) مدينة الخيال والجمال وسحر الطبعة ، بعد رحلة من الصباح الباكر.

ولنا حديث في المقال القادم ولكن عن باريس..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى