فـقـر الـدم المنـجـلـي..
رحمـة بنت مبارك السـلمانـية
فـقـر الـدم المنـجـلـي..
ليس بالضرورة أن تكون مثقفاً صحياً لتكون مسؤولاً عن تقديم معلومات صحية مفيدة، أو طرح وموضوع يتعلق بالصحة لتثقيف أفراد المجتمع، فالأمر لا يتطلب سوى بعض البحث والاطلاع وجمع الحقائق والمعلومات المهمة، لذا وجدت أن طرح موضوع أمراض الدم الوراثية مناسب ومهم جداً، لا سيما أن الأسبوع الحالي يصادف الأسبوع العالمي لأمراض الدم الوراثية، والذي يحتفل به العالم في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر من كل عام، وخلال هذا الأسبوع يحتفل العالم من أجل التثقيف وزيادة وعي الأفراد في المجتمع بخطورة أمراض الدم والتعريف بأسبابها وأعراضها ومضاعفاتها، والحد قد الإمكان من تزايد أعداد المصابين بها ومعرفة طرق الوقاية منها، وأهم الأدوية المتوفرة لعلاجها.
تُعرف أمراض الدم الوراثية بأنها تلك الأمراض التي تصيب الدم يورّثها الآباء للأبناء وتحدث بسبب اضطراب في الجينات الوراثية أو خلل في مكونات الدم، وهي شائعة جداً حول العالم، وقد بدى اهتمام سلطنة عمان في هذا الجانب واضحاً متمثلاً في الخدمات العلاجية والوقائية التي تقدمها وزارة الصحة، بالإضافة إلى الكثير من حملات التوعية والتثقيف الصحي والندوات والمؤتمرات وكم من الجهود الجليلة التي تكللت بثمار طيبة، كما أن إشهار الجمعية العمانية لأمراض الدم الوراثية هو بحد ذاته مكسب حقيقي، وهي جمعية أهلية غير ربحية وقد أسهمت بالكثير من الأعمال والمشاريع والأنشطة التطوعية في المجال ذاته؛ لرفع الوعي وتقديم الرعاية والدعم للمصابين بأمراض الدم الوراثية وأسرهم.
هناك بعض المعلومات المغلوطة عن أمراض الدم الوراثية، حيث يظن البعض أنها أمراض معدية وتنتقل عن طريق الدم رغم أنها في الحقيقة ليست كذلك، لكن في الحقيقة هناك دراسات تشير إلى احتمالية ازدياد عدد الأطفال المولودين بفقر الدم المنجلي بنسبة ٣٠٪ في جميع أنحاء العالم بحلول عام ٢٠٥٠م، وإن السبب الأول لانتشار أمراض الدم الوراثية هو زواج الأقارب، وقد تبدو فكرة تطبيق إجراء فحص ما قبل الزواج فكرة جيدة للوقاية والتقليل من تزايد الإصابة بأمراض الدم الوراثية، ولكن في الواقع فإن الكثير مما أجروا الفحص قاموا بالزواج بغض النظر عن نتائج الفحص، لأنهم يشعرون بالخذلان والخزي لإلغاء الزواج لمجرد إصابة أحد الطرفين بنوع من أمراض الدم الوراثية، ويعتبرون ذلك بتراً لوشائج العلاقات الاجتماعية.
يُعد مرض فقر الدم المنجلي أحد أشهر أمراض الدم الوراثية، في الواقع هناك حوالي أكثر من ستة ملايين شخص يعيشون بداء فقر الدم المنجلي، وهو عبارة عن اضطراب وراثي في الدم حيث تفقد فيه خلايا الدم الحمراء شكلها القرصي أو الدائري فتنكسر وتتحول إلى شكل المنجل، مما يؤثر على سلامة الخلايا وتهيج الأوعية الدموية تمنع الدم والأكسجين من التدفق بسهولة أو بشكل طبيعي، الأمر الذي قد يؤدي إلى التصاق خلايا الدم بجدران الأوعية الدموية أو تُشكّل عنقوديات في مجرى الدم أو انسدادات، ونتيجة لذلك ونقص الأكسجين في الدم يؤدي إلى الشعور بآلام شديدة في بعض أعضاء الجسم.
إن خلايا الدم الحمراء ذات الشكل الطبيعي يمكن أن تعيش بالأوعية الدموية لمدة تصل إلى أربعة أشهر، في حين أن خلايا الدم الحمراء المنجلية تتفكك في أقل من ثلاثة أسابيع؛ لذلك قد تتحول عيون بعض الأشخاص المصابين بفقر الدم المنجلي إلى اللون الأصفر، ومن الطبيعي أن يحاول الجسم إنتاج خلايا دم حمراء جديدة ولكن صعوبة إنتاج الخلايا الجديدة يؤدي إلى فقر الدم أو بما يسمى بالأنيميا، لذلك يشعر الشخص بالضعف والتعب والإرهاق، ويعاني شحوب الوجه واصفرار الجلد، وقد يتطلب الأمر نقل دم في بعض الحالات الحرجة، مما يؤثر على ممارسة الأنشطة الاجتماعية والحياة العلمية والعملية للمصاب وذويه كذلك.
ربما قد لا يبدو مرض فقر الدم المنجلي من الأمراض الخطيرة إلا أنه يسبب تأخر في النمو وتشوهات في العظام، وقد يؤدي إلى مشاكل في العين مثل تلف الأوعية الدموية للعين (اعتلال الشبكية)، وقد يؤدي إلى الإصابة باضطرابات نفسية كالاكتئاب والقلق، وقد يؤدي إلى خلل في وظائف الكلى والطحال أو الإصابة بأمراض الرئة، قد يتسبب في ارتفاع ضغط الدم وفي بعض الأحيان في الإصابة بالسكتة الدماغية والوفاة، وفي الواقع لا يوجد علاج لفقر الدم المنجلي ولكن هناك أدوية للتخفيف من حدة نوبات الألم، أهمها حمض الفوليك وبعض الفيتامينات والمسكنات مثل المورفين، ويمكن زرع الخلايا الجذعية في بعض الحالات.
هناك بعض النصائح المهمة التي يجب اتباعها للتقليل من حدة المرض أو التخفيف من نوبات الألم، إذ يجب الحفاظ على الصحة البدنية من خلال اتباع نظام غذائي صحي، وشرب كميات كافية من الماء يومياً، والاهتمام بممارسة الرياضة، وتجنب الأماكن ذات الحرارة العالية أو الشديدة البرودة، وأيضاً الابتعاد قدر الإمكان عن الضغوط والتوتر، وأخذ قسط كافٍ من النوم والراحة، لذلك من المهم جداً أن تثقّف نفسك حول المرض، وتتعايش معه بفطنة وحكمة كي تتغلب عليه، وخلاصة القول إن أمراض الدم الوراثية بمختلف أنواعها لهي تحدي كبير، ويجب علينا جميعاً التصدي لها بدروع قوية وسواعد من حديد.