القـمة الصـينية/العـربية – بين قـراءتين..
المهندس/ حـيّـان نَـيَّـوف
محلل سياسي – سوريا
القـمة الصـينية/العـربية – بين قـراءتين..
الـقـراءة الأولى..
الإستراتيجية الأمريكية تتضمن إنشاء تكتل شرق أوسطي بقيادة “إسرائيل” ، ورافعته السعودية ، وعضويته باتت معروفة للجميع (مصر، الأردن، المغرب، الإمارات، وغيرها) ، التكتل الجديد سيكون له مهمات عديدة منها :
• سيكون بديلا عن التكتل الاوروبي الذي سيتحول إلى ساحة صراع مع روسيا لإنهاكها، حيث يمتلك التكتل الجديد مصادرا للطاقة وعائدات مالية هائلة على عكس اوروبا التي تتهاوى تحت ضغوط اقتصادية، وجرى تعويم اليمين المتطرف في اوروبا لتوفير البيئة اللازمة للتصادم داخل اوروبا وبين اوروبا وروسيا (في اوكرانيا وايطاليا وفي فرنسا وبولندا ، واليوم في المانيا حيث محاولة الانقلاب الفاشلة) ..
الإستثمار بتفجير اوروبا يضمن للولايات المتحدة تحقيق اهداف عديدة بكل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والجيوسياسية والاستراتيجية ..
• التكتل الجديد يضمن للولايات المتحدة تشكيل خط دفاع متقدم بوجه الصين التي قدرت الدراسات الامريكية أنها تسعى لتكون اكبر قوة عسكرية واقتصادية في العام ٢٠٤٩ ، ولا مانع لدى الولايات المتحدة من استقطاب هذا التكتل للصين في مرحلته الاولى، والتشبيك معها في مجال الطاقة و نقل التكنولوجيا والتنمية الصينية الى هذا التكتل، فهذا سيضمن وضع الصين تحت رحمة مصادر الطاقة لهذا التكتل، ويضمن سرعة التنمية والبناء ضمن هذا التكتل عبر الشركات الصينية ذات الكلفة الأقل وبسرعة أكبر، وهدف بعيد يتمثل بإبعاد الصين عن حليفيها التقليدين (روسيا وإيران)، ضمن هذا الإطار يمكننا فهم الانفتاح السعودي على الصين ، والسماح لاسرائيل ايضا بالتشبيك مع الصين بشروط امريكية، وبالمحصلة كله يصب في الجيوب الامريكية، احتواء و تشبيك مع الصين، ومن ثم عبث وتخريب.
الـقـراءة الثانـيـة..
العنوان الرئيسي الذي طرحه بايدن في القمة الصينية/الامريكية التي عقدت على هامش قمة العشرين في جزيرة بالي الأندونيسية كان (نعم للتنافس ، لا للإستقطاب) ، هذا العنوان اكدت عليه لاحقا التصريحات الصادرة عن مجلس الامن القومي الأمريكي والخارجية الأمريكية والبيت الابيض وحتى البنتاجون.
والعنوان المذكور ، يهدف إلى قطع الطريق على الصين لـ (إعلان) تحالف مع روسيا وإيران ولـ (منع) البدء بحرب باردة بين الطرفين يكون من نتائجها استقطاب الدول الى مناطق نفوذ تحالفية بينهما .. حيث تعتقد الولايات المتحدة ان ذلك يضر كثيرا بمصالحها ويؤثر على نفوذها في ظل اللحظة التاريخية التي تشهد انقساما عموديا على المستوى العالمي .. بينما يشكل مبدأ (التنافس) حتى لو كان شديدا ضبطا لإيقاع العلاقة بين الطرفين ، وهو خيار تعتقد الولايات المتحدة أنه يضمن لها عدم تفلت الحلفاء من عباءتها ، خاصة أنها متفوقة في الجوانب الأمنية والعسكرية والاستخباراتية ، وعلى صعيد الربط الإقتصادي عبر البنك الدولي والدولار والاستثمارات وغيرها.
تزامنا مع قمة بالي ، جرى إعادة طرح زيارة الرئيس الصيني للسعودية من دون تحديد موعد محدد لها (فكرة الزيارة كانت مطروحة سابقا) ، ولاحقا جرى تحديد الموعد قبل فترة وجيزة من الزيارة التي شهدت عقد ثلاث قمم رئيسية (سعودية/صينية ، خليجية/صينية ، عربية/صينية) بالإضافة الى لقاءات جانبية ثنائية وثلاثية ومتعددة الاطراف.
وبالنظر إلى كلمات الزعماء العرب خلال القمة ، يمكن ملاحظة أن فحوى الخطاب العربي الصادر عن هؤلاء الزعماء لم يخرج في مضمونه عن الطرح الامريكي في قمة بالي والذي جرى اعتماده في تلك القمة (نعم للتنافس ، لا للاستقطاب) بل إن كلمات الزعماء العرب كانت استنساخا لما صدر عن دوائر السياسة والقرار الامريكي (البيت الابيض ، الخارجية ، الامن القومي ، البنتاجون) ، حتى وصل الأمر بالرئيس التونسي قيس سعيّد للقول : (لا نريد جدار برلين جديد).
والمعنى من ذلك أن الولايات المتحدة وعبر قمم الرياض أرادت التأكيد على ما طرحته في قمة بالي .. وهو ما يفسر الصمت الرسمي الامريكي خصوصا والغربي عموما عن تلك الزيارة ونتائجها التي جرى تسخير طبول الإعلام العربي لتقرع بِـ (منجزاتها ومنجزات منظميها).
أخيرا ؛ لا بد من الإشارة الى حدث لافت بُعَيْد قمم الرياض “التاريخية” ، حيث لم تكد تحط طائرة الزعيم الصيني “شي جين بينغ” في بكين عائدة من الرياض ، حتى اعلنت الخارجية الامريكية أن وفدا أمريكيا رفيع المستوى “من الخارجية” سيصل إلى بكين لاستكمال البحث فيما اتفق عليه في قمة بالي بين بايدن/جين بينغ ، فيما بدا وكأنه استكمالا للخطوة الأولى التي جرت في الرياض.