أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

جدلية العلاقة بين مضمون الرسالة الاعلامية والتطور التكنولوجي في وسائل الاتصال..

طـلال بن حمـد الربيـعي

 

جدلية العلاقة بين مضمون الرسالة الاعلامية والتطور التكنولوجي في وسائل الاتصال..

 

بداية يجب أن نوضح أن الإعلام ليس غاية في حد ذاته وإنما وسيلة، يتمكن من خلالها الانسان من ايصال ما يريده، لذلك فهو يعد من اهم الظواهر في تاريخ الانسانية فحاجة الإنسان إلى الأخبار وتحليلها قديمة قدم التاريخ.

خلال العصر الحديث شهد العالم نمواً هائلاً في المعلومات المسجلة، ولاسيما المتعلقة بالعلم والتكنولوجيا؛ إلى حد أنه تم وصفه بعصر (الانفجار الإعلامي)، ومع دخول وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها واستخداماتها على خط الإعلام التقليدي في بداية الألفية الجديدة ظهر هناك نوع من التزاوج بين التكنولوجيا الجديدة الناشئة والقطاعات الاعلامية التقليدية التي تقدم المعلومة الى المجتمع جاهزة، الأمر الذي أحدث قفزة في المفاهيم التقليدية لنقل الأخبار؛ فلم يعد الفرد في المجتمع متلقٍّ للخبر فقط كما كان سابقاً عندما كانت تسيطر وسائل الاعلام التقليدية على الأخبار، ونقصد بها (الصحافة والإذاعة والتلفزيون) بل أصبح متفاعلاً مع المعلومة لدرجة أن كثيراً من المجتمعات بدأت تتحرر تدريجياً مما نستطيع تسميته بالتبعية الفوقية أو الإعلام الموجه، وهذا في حد ذاته يمثل تحدياً كبيراً للقائمين على السياسات الإعلامية في مختلف دول العالم.

لقد أضحت التكنولوجيا عاملاً رئيسياً في تطور وسائل الإعلام، لدرجة أننا نلاحظ أن وسيلة نقل الخبر نفسها والتي يتصل بها الإنسان تشكل هوية المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون الخبر نفسه، وهذا ما تطرق إليه الفيلسوف الكندي (مارشال ماكلوهان) في كتابه (وسائل الإعلام كيف نفهمها؟) .. حيث ذكر ماكلوهان أن (مضمون) وسائل الإعلام لا يمكن النظر إليه مستقلاً عن تكنولوجية الوسائل الإعلامية نفسها، ويذهب ماكلوهان بعيداً في طرحه لهذه النظرية أو هذا الرأي، إذ يعتبر أن التكنولوجيا وسيطرتها على وسائل الإعلام تشكل ما نستطيع أن نسميه (بالحتمية التكنولوجية)، والحتمية التكنولوجية أو الحتمية التقنية هي نظرية اختزالية تفترض أن تكنولوجيا المجتمع تحدد تطور هيكله الاجتماعي، وقيمته الثقافية، وقد أخذ هذا المصطلح من الماركسية التي تؤمن بالحتمية الاقتصادية، وبأن التنظيم الاقتصادي للمجتمع يشكل جانباً أساسياً من جوانب حياته.

يؤمن ماكلوهان بأن الاختراعات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر تأثيراً أساسياً على المجتمعات؛ حيث ربط تقدم وسائل الإعلام بالتطور التكنولوجي، وأن هذه الوسائل تستطيع أن تجعل الجميع يصل إلى المعلومة وإلى إمكانية التأثير والنشر وفي هذه الحالة يصبح الإعلام سلاحاً ذا حدين، فمن يستطيع السيطرة على التكنولوجيا يستطيع أن يتحكم في ما ينشر، وبالتالي يسيطر على توجهات المجتمع، وذكر ماكلوهان في نظريته كذلك؛ انه لكي نحدَّ من هذه السيطرة؛ فإنه يتوجب علينا إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الأعلام؛ لأنه (بمعرفة كيف تشكل التكنولوجيا البيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماماً على نفوذها أو قدرتها الحتمية).

وهنا يجب الإشارة إلى أن الوسائل الإعلامية التي تملكها أي مؤسسة؛ لم تعد كافية في ظل هذا الكم الهائل من تدفق المعلومات، ومن تعدد وسائل الحصول على المعلومة، لذا بات من الضروري أن يكون لكل مؤسسة سياستها وفلسفتها الإعلامية التي من خلالها تستطيع أن تبرز أهدافها ودورها للمجتمع؛ فالأجهزة الإعلامية في نهاية المطاف هي أدوات بالغة القدرة في التأثير على عقول الناس وسلوكهم، لذلك يجب أن يكون الإعلام المؤسسي على قدر من المهنية العالية بحيث يَتَّبِع الأسلوب العلمي القائم على التخطيط والمعرفة بالقوانين التي تضبط العملية الاتصالية والإعلامية لا على أساس التجربة والخطأ؛ فأي مؤسسة مهما كانت أهدافها وخططها وإمكانياتها المتاحة لا تستطيع أن تعمل بمفردها لتحقيق تلك الأهداف بمعزل عن المجتمع والذي في الأساس اُشتُقت منه كثير من معالم الرؤى والخطط المستقبلية؛ تلك العلاقة المتداخلة بين أهداف المؤسسة والمجتمع، دائماً ما تدعو المسؤولين عن رسم الإطارات والسياسات العليا نحو محاولة توجيه الرأي العام لدعم تلك الأهداف والخطط والبرامج التطويرية والربط بينها وبين مؤسسات القطاعات الأخرى لخلق نوع من الشراكة؛ تستطيع من خلاله بلورة الأفكار والرؤى، وبالتالي يصبح التطبيق أكثر يسراً وسهولة، مما يجعل إمكانية تحقيق العملية التطويرية تسير بخطىً ثابتةٍ حسب ما هو مرسوم لها؛ فالعملية هنا عملية تكاملية والشراكة فيها حتمية تفرضها كما أسلفنا سابقاً التغييرات والتطورات فيما يعرف بالإعلام الجديد ووسائل الاتصال المرتبطة به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى