أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

ما هي أفضل مدرسة على الإطلاق لتعلم القيم والأخلاق الكريمة؟..

عصـام بن محمـود الرئيـسي

مدرب، ومؤلف سلسلة كتاب “مختارات من البروتوكول والإتيكيت”

 

ما هي أفضل مدرسة على الإطلاق لتعلم القيم والأخلاق الكريمة؟..

 

إن الصيام يُعدُّ من أقوى العبادات في تربية وتقويم السلوك وترسيخ القيم والفضيلة، وذلك إذا أقبل عليه المؤمن في صدق وإخلاص ومراقبة ولا ريب في ذلك فإن شهر رمضان هو أفضل مدرسة جامعة على الإطلاق لتعلم القيم والاخلاق الكريمة وهو شهر تربوي, حيوي, تفاعلي, تلاحمي فعندما يصوم المرء احتساباً وقربةً إلى الله، فإنّ هذا الاحتساب يستدعي منه وقفة فيها كلّ الجرأة والحريّة على انتقاد الذّات ومعرفة حجمها الطّبيعيّ. وبما أنَّ الصَّوم فرصة للإنسان كي يؤكِّد ارتباطه بالله تعالى، فإنَّ هذا الارتباط يوجب عليه المبادرة إلى محاسبة النّفس ومراقبتها، والتعرّف إلى مكامن ضعفها بغية تصحيح أوضاعها. والصيام في حقيقته سر بين المؤمن وخالقه عزّ وجلّ لا يطّلع عليه أحد حتى يلقى الله سبحانه جلّ شأنه فيجزيه الجزاء الأوفى، ولعل هذا هو بعض ما يفهم من قول الحق سبحانه وتعالى في الحديث القدسي “كلّ عمل إبن آدم له .. إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به”.

إن التغيير والتقييم الداخليّ الإيجابي للانسان مهم للغاية حيث يبقيه أكثر تركيزًا في حياته، مما يمنحه مزيدًا من الثقة في قدراته، والتقدّم في مجالات الحياة المختلفة، ويُعدّ التغيير الداخليّ الإيجابي بالتحديد أمرًا ضروريًّا بين الحين والآخر، وشهر رمضان الفضيل فرصة ثمينة ومواتية لتغيير بعض جوانب السلوك وتقويمها، وإصلاح النفوس وتهذيبها، فهو مدرسة راقية للتحلي بالأخلاق الكريمة والقيم الفضيلة، والاتصاف بالسجايا الحميدة، والتزين بالخصال الحسنة، كما انه مدرسة للارتقاء بالفضائل والمكارم.

فما أحوج الإنسانية الآن أن تتخلق بأخلاق الإسلام؛ صدقًا وأمانةً. وتسامحًا ورحمةً، وصبرًا وحلمًا، ووفاءً وشفقةً فالاعتناء بجوانب التغيير في هذا الشهر الفضيل، والحرص على الاستفادة منه مهم للغاية لتحقيق التقوى التي يسمو فيها المسلم للرقي في سلم الرفعة الروحية والأخلاقية، وليس أفضل من شهر الصوم لبدء علاقة جديدة مع انفسنا ومع الغير من اجل الوصول الى التغيير الإيجابي المستمر إلى ما بعد رمضان ويقودنا هذا التغيير بدون شك إلى السعادة والعطاء وهو فرصة سانحة لنفع الناس أيضا وعمل الخير لهم، ولبدء حياة جديدة.

ومن الجوانب المهمة التي يجب الحرص عليها في هذا الشهر الفضيل علاقة المسلم بأهله وأقاربه؛ فانشغال الناس بحياتهم، أبعد الكثير منهم عن صلة أرحامهم وزيارتهم، ورمضان فرصة عظيمة لإعادة جسور التواصل مع الأهل والاقارب لإزالة ما قد يقع في النفوس، ولبدء علاقة مستمرة معهم.

أيضا علاقة المسلم بمجتمعه وهي علاقة يجب أن تكون علاقة فاعلة، فيجب الاعتناء بجوانب العلاقات المجتمعية بين الأفراد من خلال صلتهم، وبِرِّهم، ونصحهم، وتفقد ذي الحاجة منهم، يقول الله تعالى: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )).

هذه بعض الجوانب التي تستحق التوقف عندها، والاعتناء بها والاهتمام بتغيرها، وهناك الكثير منها وتتعدد بطبيعة الحال جوانب التغيير وتتنوع، وهي تختلف باختلاف الأشخاص والبيئات والسلوك، ولكل جانب من هذه الجوانب وسائل وطرق للتغيير، يحتاج فيها المسلم للتفكر والتمعن فيها؛ لسد جوانب النقص التي تحتاج إلى تغيير لتصحيح المسار، ولنستفد من مدرسة الصيام لنصلح من ذواتنا، ولنرسخ هذه القيم في أنفسنا، ولنعلمها لمن حولنا من الابناء وننقلها لهم بطريقة صحيحة غير مشوهة والقدوة هي خير وسيلة لنقلها الى اجيالنا القادمة، لكي يكون مجتمعنا مجتمعاً تسوده الألفة والمحبة، وليكن شهر رمضان المبارك خطوة أولى للتغيير.

وهنالك من الناس من يكتفي بمظاهر العبادة دون إحداث التّغيير المطلوب، من أجل تثبيت الشخصيّة الإيمانيّة في ذاته وفي المجتمع، والّتي تعمل على تحصينه من كلّ ما يضرّه ويؤذيه لهذا علينا أن نبتعد عن الذاتيّات والأنانيات، وعلينا ممارسة التواضع، ومحاسبة النفس. فلنكن من الصّائمين المتواضعين لله والنّاس، ولنخرج من الصّوم ونحن في أفضل حال وأكثر تلاحما وترابطا مع أفراد الأسرة بل والمجتمع والأمة بأسرها ليسود الود والمحبة والخير العميم.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى