أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

التوازن التربوي ضرورة مُلِحّة!!..

عـصـام بن محـمـود الرئيـسـي

مدرب ومؤلف سلسلة كتاب “مختارات من البروتوكول والإتيكيت”

 

التوازن التربوي ضرورة مُلِحّة!!..

 

تذكرت موقفا تربويا عزيزي القارئ حدث في وقت سابق مما جعلني بان اكتب هذا المقال المتواضع، حيث حدث لي عندما كنت يوما رئيسا لمجلس الآباء في إحدى المدارس عندما بدأ أحد المعلمين يتحدث ويشيد بأحد طلابه المتميزين لديه في مادة اللغة العربية ويشعر بالافتخار بذلك وهذا أمر أسعدنا كثيرا، حيث يمكن لمثل هؤلاء الطلبة أن تشارك بهم في مناسبات طلابية وعلى مستويات مختلفة وأن يحققوا مراكزا وسمعة علمية وتربوية للمدرسة.

طلبنا من المعلم أن يعرفنا على تلميذه المتفوق لكي نتعرف عليه ونستمع إليه عن قرب، وقد تفاجأنا بأنه غير قادر على توصيل المعلومة لنا بطريقة صحيحة، فبدأ يصاب بالارتباك عند الحديث مع المجموعة المتواجدة في القاعة على الرغم من معلوماته الثرية وتفوقه في تلك المادة عن نظرائه، فأدركنا بعدها بأن الطالب لا يمتلك القدرة على التحدث مع مجموعة من الأفراد بطريقة تجعله يشارك الآخرين بمعلوماته بطريقة معرفية صحيحة .. (نهاية الموقف).

عندما ننظر إلى هذه الحالة عزيزي القارئ بمنظار تربوي نجد بأن هنالك إهمال في جانب تربوي معين ومهم في شخصية الطالب بشكل عام، وهو جانب الثقة بالنفس وإيمان الفرد بقدراته، وإمكانياته، مما يفقده القدرة على التواصل مع الآخرين، لهذا لا بد وأن نوازن في المعرفة بكل جوانبها العلمية، والإيمانية، والسلوكية وغيرها من العلوم والتي تقودنا إلى بناء شخصية معرفية متوازنة.

وفي مواقف أخرى عزيزي القارئ فإن من الملاحظ بأن هنالك من المربيين من ينبهر من علم وطلاقة حديث أحد طلابه في تخصص ما، إلا انه لو طلب منه التحدث عن أمر آخر يخص بعض من المعارف الأخرى ولو بشكل بسيط فلن تجد منه الإجابة المطلوبة وخاصة الحياتية منها أو الإيمانية.

كما نعلم جميعا أعزائي القراء بأن أسس واستراتيجيات التربية ثابتة لا تتغير، ولكنها دائما وأبدا تحاط بظروف متغيرة ويتطلب منها التكيف مع تلك المتغيرات والمؤثرات المجتمعية التي من حولنا إيجابيا، وهذا أمر طبيعي كوننا نعيش في عالم صغير تأتينا ثقافاته المختلفة من كل حدب وصوب بدون قيود.

إن التوازن التربوي هو الحل الأمثل دائما وأبدا في تربية الأجيال، ويقصد بالتوازن التربوي بشكله العام هو الشعور بالتوازن التربوي والمعرفي وخاصة من قبل المربين الذين يربون الأجيال سواء على مستوى الأسرة، أو المدرسة، والهيئات التعليمية الاخرى والذي يجمع بين إكساب المعرفة، والثقة بالنفس، واحترام من حولنا من المربين، وكذلك التوازن الذي يجمع بين فهم وتطوير الذات وعدم البعد عن المجتمع بكل ثوابته وقيمه الراسخة لتحقيق حياة ملؤها السعادة وإضفاء المعنى الحقيقي لها، وخاصة الجانب التربوي والسلوكي والإيماني وإن هذا التوازن مهم بالنسبة لنا. فإذتا كان على سبيل المثال جانب تطوير الذات والثقة بالنفس وكذلك عدم الإنفصال عن المجتمع مهما لنا وأمرا ناجحا في حياتنا فإن التوازن بين كل ذلك سيجعلنا أكثر رقيا وإتزانا ونجاحًا.

إن التوازن سنة مِن سُنن الحياة، وسر من أسرار البقاء، وقد أشار القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة إلى مبدأ التوازن في كثيرٍ من المواضع، لهذا أصبح من المهم للغاية أن نهتم بالتوازن التربوي وضرورة التكامل المتوازن بكل جوانبه حنى تكتمل الشخصية التربوية بكل تفاصيلها، حيث ان خطورة إهمال جانب منها، (تصبح) لدينا شخصية تربوية يشوبها ألنقص والتشوه وهذا لا يتأتى إلا بوجود رؤيا تربوية واضحة تفصح عن الشخصية التربوية المتوازنة بمعناها الحقيقي.

إن المشاركة التربوية والفكرية والتفاعل العاطفي والتواصل مع محيط الأسرة، وكذلك في محيط المدرسة جانب مهم للغاية لأن تلك المشاركات ستقود الفرد إلى المشاركة على مستوى المجتمع بشكل تلقائي ويجنب الأفراد سلوكيات عديدة كالأنانية، والتركيز على الذات وسيهتم في جوانب مهمة منها تحمل المسؤولية والمشاركة في جميع جوانبها وبعيدا على الإتكالية والتسويف.

إن الأسباب التي تجعلنا نهتم بالتوازن التربوي في بناء الشخصية عديدة منها :

– يحث ديننا الإسلامي على التوازن في كل مجالات حياتنا وخاصة الجانب التربوي منه ويعتبره أساسا للتطور الشخصي للفرد من أجل ايجاد حياة مستقرة وآمنة.

– التوازن التربوي يساعد في بناء شخصية راقية كلها ثقة وأقتدار قادرة على العطاء في مختلف جوانب الحياة علميا وأخلاقيا ودينيا.

– الرضا النفسي والإستقرار العاطفي مهم في بناء الشخصية التربوية فالتوازن التربوي يحقق هذا التوازن وهو مهم للغاية في تعزيز الصحة النفسية والعاطفية للفرد.

– عندما يتوازن الفرد في حياته، يكون قادرًا على الاهتمام بالآخرين وتقديم المساعدة والدعم لهم وهذا يعزز التعاون والتعاطف وبناء علاقات قوية في المجتمع.

– يساعد التوازن التربوي أيضا في بناء علاقات سليمة وناجحة مع الآخرين سواء في محيط الأسرة أو في المجتمع ككل.

إذن فالفرد مطالب بالتوازن والاعتدال في حياته، حيث قال سلمان الفارسي رضي الله عنه لأخيه أبي الدرداء عندما زاره فوجده قد انقطع للعبادة حتى أهمل حق زوجته وحق نفسه. فقال “إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ”. وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله : (صدق سلمان).

وأخيرا فالتوازُن في كل شؤون الحياة عزيزي القارئ هو القاعدة الكبرى في التربية؛ ولا بد أيضا من إدامة الرعاية ومد يد العون لهذه الجوانب حتى يظهر الأثر الإيجابي المرجو من التربية، فلا يمكن الاهتمام بالإيمان فقط دون العلم وفي المقابل لا يمكن الإهتمام بالعلم دون الإيمان وإلا ستجد أمامك شخصا مشوها يتشدد فيما تعلمه في الجانب الذي تعلمه فقط.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى