أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

التربية الوجدانية دعـم لقـوة المجتـمـع..

الدكـتـورة/ سـلـوى سـلـيـمان

خبير تربوي ، استشاري اكتشاف ورعاية موهوبين

 

التربية الوجدانية دعـم لقـوة المجتـمـع..

 

تتجلى تربية الطفل وجدانياً في ضوء العلاقة القوية بين الوجدان والسلوك؛ حيث تعد حاجةً أساسيةً للنمو الصحيح، واكتساب القدرة على التكيف مع الأشياء والأشخاص والأماكن.

ومما لا شك فيه أن حرمان الطفل من هذه الحاجة في طفولته قد يؤدي به إلى فقره في العطاء أو تكيُّفِه وقَبولِه من الآخر، والتربية الوجدانية أو الانفعالية هي التربية التي تغرس في الطفل الاتجاهات، والقيم، والمشاعـر، والتي تعلّمه فهم الآخرين والتفاعل معهم بنجاح، والتي ترتكز على تهيئة المناخات الملائمة للطفل ليمر بخبرات التعليم والتعلم التي تركز اهتمامها على تنمية جوانب حسية ووجدانية في سلوكه؛ فهي بمكانة المنهج المستتر الذي يتضافر مع المنهج الظاهر في سياج من الديناميكية والانسيابية.

وهنا يبرز دور التربية في أن تجعل ضمن أولويات أهدافها تنمية الجانب الوجداني في الطفل، ولن يحدث ذلك إلا بتغيير المفاهيم التعليمية المتعلقة بهذه التربية عن طريق الأدب والفن والجمال، ذلك الإطار الناعم الميسر للمنظومة كي تتكامل وتحقق أهدافها.

ويمكن أن تبدأ التربية الوجدانية منذ اللحظات الأولى من حياة الطفل، ثم تسير بمنهجية وبشكل منتظم في سن السادسة أو السابعة، بإسماع الطفل الجميل من الكلام، والتصرف أمامه بأرقى الأساليب وإكسابه العديد من المعاني، وإمداده بالكثير من القيم؛ إنها التربية الوجدانية التي لا يمكن أن تتم إلا من خلال تعلمه داخل غرفة الصف بطريقة تخفيف عمليات التعلم الزائد التي تحشو عقله بمعلومات رقمية، ولغوية، وعلمية قد لا تشكل وجدانه كتشكيل عقله.

فمع تنوع مهارات الطفل تُعَزِّز قدرته على إدارة وتقييم الذات، وإدارة دوافعه وانفعالاته، وتقييمه الدقيق لنقاط قوته وتحدياته وقيوده ومثابرته بهدف النجاح في التعلم والتكيف مع البيئة المحيطة، كي يكون دائم التساؤل لذاته .. لماذا أشعر بهذه الطريقة ؟ ما هو هدفي ؟ كيف يمكنني تغيير سلوكي ؟ أيضاً القدرة على التواصل الإيجابي، فيُحفز على التواصل الناضج مع الآخرين، وقراءة إشاراتهم ومشاعرهم ومنظورهم، والاستجابة لها بشكل مناسب، والقدرة على احترام الآخر، ذلك هو الوعي الإيجابي، فضلاً عن إكسابه القدرة على إقامة علاقات سوية، والحفاظ عليها بما تتضمنه من تواصل شفاف، واستماع نشط، وتعاون، ومقاومة الضغط الاجتماعي غير المناسب، والتفاوض البنّاء كي يكون مستقبلاً قائداً متميزاً، لأن غاية العملية التعليمية منذ القدم هي إعداد الأطفال ليكونوا مواطنين مسؤولين ومنتجين ومهتمين بمجتمعهم، قادرين على اتخاذ خيارات بنّاءة وفق المعايير والأعراف الاجتماعية، والتقييم المعرفي لعواقب ممارساته المختلفة على ذاته ومحيطة، مع اعتزازه بوطنه وهويته الثقافية، والتركيز على التوجيهات الإيجابية وتوجهه نحو التعلم والإنجاز، وتفسيره للأحداث، والتفكير بشأن تنمية ذاته وبيئته، وممارسته لمهارات التفكير الناقد؛ لذلك يجب أن يحدث التُوزان بين المعلومة وبين تحولها إلى سلوك وأخلاق، وبالتالي تأخذ القيم حقها في أن تتشبع بها النفس في فترة زمنية طويلة، وأن تتحول إلى سلوك ينمو تدريجياً مع الطفل، بَدءاً من مواقف صغيرة وصولاً إلى التحديات الحياتية الكبرى التي تتطلب انضباطاً أخلاقياً وقدرةً على إدارة المشاعر والعواطف بلا انفلات.

وجاء التوازن واضحاً في تحويل الأفكار المجردة إلى جوانب سلوكية تظهر من خلال المواقف التي تعتري تعاملاته، فالطفل إذا تحولت تصوراته الكبرى عن الكون والإنسان والحياة والزمن إلى سلوك مُعاش في واقعه؛ فإن حجم التناقضات ينخفض بين ما يبطنه وبين سلوكه.

فالهدف يكمن في أن يعرف الطلاب أنفسهم، ويتواصلون جيدا مع الآخرين ، بالإضافة إلى التفكير بشكل خلّاق ومستقل في ضوء زخم من المعرفة في كل مكان وفي متناول أيديهم.

لذلك من الأجدي أن نُدَرِّب الطفل على التَّعَلُّم بأساليب سلسه تمتاز باللين والتوجيه الحكيم، بما يخاطب العقل فيزيده ثراءً ونضجاً، ويجعل المعلم بسلاسة يكتشف عبقرية كل طلابه.

وأخيراً .. يجب أن تهدف المنظومة التعليمية إلى التوازن بين جوانب الطفل الانفعالية والعقلية والاجتماعية؛ بمعنى أن يكون التركيز على التربية ثم التعليم لإحداث تأثيرات إيجابية محفزة طويلة المدى؛ تنعكس على سلوكه وتفاعلاته وردود أفعاله بما يتَّسِم بالمرونة والإنسانية والإبداع والتحضر في حال إذا بدأ التعليم مبكراً منذ الطفولة.

وتشير الدراسات أن الأطفال عندما يشعرون بالأمان؛ فإن ثقتهم بالنفس تزداد ويُظهرون سلوكاً أفضل وتتَعزَّز ذاكرتهم، ويستمتعون بالتعلم، فينغمسون في العملية التعليمية بحافز نفسي لاكتساب معلومات ومهارات جديدة، وإذا نجحت العملية التعليمية في غرس العاطفة، والتعاطف مع الآخرين، فإنها تتحول إلى مصدر دعم لقوة المجتمع، وثراءٍ للمنظومة التعليمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى