أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

باليـدِ اليُمْـنى من فَضْـلِك !!..

عـصـام بن محـمـود الرئيـسـي

مدرب ومحاضر في البروتوكول ، والإتيكيت المؤسسي

 

باليـدِ اليُمْـنى من فَضْـلِك !!..

 

عديدةٌ هي المواقفُ التي مرَّتْ علينا طوالَ مراحلِ حياتِنا من أجل أنْ نطبِّقَ مبادئَ وسلوكاً وأعرافًا أساسيةً في تعاملاتنا اليومية حتى ترسخَّتْ في أذهاننا وأصبحت جزءًا من شخصياتنا، ووفق مبادئ راقية نستمدها من ثقافتنا العربية وديننا الإسلاميّ الحنيف، ومن بين تلك الجوانب استعمالُنا يدَنا اليمنى دون اليسرى في المناولة والمصافحة والأكل وغيرها من الممارسات اليوميّة مع الأهل والأقارب وعبارة (استعمل يدك اليمنى) كانت حاضرة دوماً كأسلوب تربية وترسيخ لها.

وأتذكر من مراحل طفولتنا البريئة حين كان والديَّ يحاولان جاهدينِ ودون كلل أنْ يُعوِّدَاني على استعمال يدي اليمنى.

بعضُ العاداتِ تتناسبُ أو قد لا تتناسبُ مع الأعراف في عصر أو زمن معين، وقد تصبح تلك العاداتُ والأعرافُ المناسبةُ مع مُضِيّ الوقت عادةً رسميّةً، لكنها وبدون شك نابعة أو وليدة من حاجة عملية معينة، ولها مدلولاتُها؛ فعندما نلتقي شخصًا ما نصافحه عادة باليد اليمنى، وهذه عادةٌ وعرفٌ رسميٌّ له مدلولُه في ديننا الإسلامي الحنيف، بينما تجد أنه ليس له مدلول واضح في بعض الثقافات والمجتمعات الأخرى.

في العديد من المدارس نجد هناك من الطلاب من يكتبون باستعمال اليد اليسرى، وهؤلاء لا ذنب لهم بطبيعة الحال؛ حيث ثبت علميا بأن الجزء المسؤول عن الكتابة والأعمال اليدويّة يوجد لديهم في الجهة المعاكسة من الدماغ خلافاً لما هو عليه الأمر بالنسبة لغالبية البشر، لهذا لا يجب أنْ يُنظرَ إليهم وكأنهم أشخاص غير طبيعيّين، ولا يمكن توبيخهم وإجبارهم على استعمال اليد اليمنى.

تشير الدراسات الإنسانية بأن معظم بني البشر في عالمنا – ما بين 74 – 96 % – يفضلون استخدامَ اليد اليمنى، ويذكر علماءُ التاريخ أيضاً “بأنه لم يتواجد أبداً أي تجمع بشري على مر التاريخ تَسُودُهُ غالبيّةٌ ممن يستخدمون يدهم اليسرى”، وحسب ما سجلته كتب التاريخ والرسومات المختلفة للمجتمعات القديمة في الكهوف والجدران والمنحوتات المختلفة؛ كانت تشير إلى استعمال الإنسان القديم يده اليمنى في جميع تعاملاته اليومية والحياتية، وبالمفهوم البروتوكولي في استقبال الضيوف يجب أنْ يكون الضيف على يمين المضيف سواء أثناء الجلوس أو حتى أثناء المسير، وهي قاعدة بروتوكوليّة لا يمكن التغافلُ عنها.

لقد حثَّنا دينُنَا الإسلاميُّ بطريقة مباشرة على أهمية استعمال اليد اليمنى في السلام، بل في مختلف الأنشطة والفعاليات الحياتيّة، وحتى المتعلقة بتنفيذ أعمالنا؛ فالقرآن الكريم يركِّزُ على أهمية اليد اليمنى .. قال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ}، وفي الحديث الشريف عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ” .. إذن لماذا حثَّ الإسلام الحنيف على استخدام اليد اليمنى في حياتنا وتعاملاتنا اليومية ؟! يمكن الإجابة عن ذلك من خلال النقاط التالية :

استخدام اليد اليمنى فيه تأكيد على أهمية ما ذُكرَ من توجيه للدين الإسلاميّ الحنيف والذي كرَّمَ اليد اليمنى.

عن عائشة رضي الله عنها قالت : (كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى) وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

أنَّ في ذلك إكراماً لليد اليمنى على اليسرى.

أنَّ في ذلك استعمالَ الأدب مع الناس، حيث لا يصافحهم، ولا يأخذ منهم، ولا يعطيهم بيده التي يزيل بها النجاسة.

أنَّ في ذلك تفاؤلاً أن يجعلنا الله من أهل اليمين.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى