أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

الخطوط الحمراء في حياتِنا الاجتماعيَّة..

عـصـام بن محـمـود الرئيـسـي

مدرب ومحاضر في البروتوكول والإتيكيت المؤسسي

 

الخطوط الحمراء في حياتِنا الاجتماعيَّة..

 

“لا تتجاوزْ الخطوطَ الحمراءَ” عبارةٌ بدأت كمصطلح سياسيٍّ، ويبدو من خلال المراجع بأنه بدأ استخدامها في عام 1962م، وأصبح متداولاً بيننا وفي حياتنا الاجتماعية بشكل واسع نسمعه في العديد من المواقف في حياتنا اليوميَّة، وأيضا في بيئة العمل، وهذا أمرٌ واقعيٌّ؛ نعم هناك خطوطٌ حمراءُ، وهي وهميّة غير مرئيّة بدون شك، وهي تعطي دلالة أو إشارة بعدم التدخل في أمر ما سواء بالفعل أو بالقول، ولا يمكن أنْ نتجاوزَها حتى لا نقعَ في طائلة القانون والمسائلة، أو نقع في موقف محرج قد يعرضنا للسُّخط ممن نتعامل معهم من مسؤولين وزملاء عمل وأصدقاء وأرحام، أو قد نضرُّ بسمعة المؤسسة، أو ننتقص من قيمتها مما يؤثر على إنتاجها وهيبتها.

وبلا ريب فإنَّ اللون الأحمر له هيبته ومكانته في حياتنا، وهو دلالة على لفت الانتباه والتحذير؛ فهناك إشارات المرور، وهناك البطاقة الأحمر في ملاعب كرة القدم.

ويرى البعض أنَّ فكرة “الخط الأحمر” فكرة رائعة، لمعرفة حدودنا في مختلف الأماكن، ويراها البعض الآخر بأنها فكرة ابتدعت لكي نقيد حريات الناس ونقودهم إلى عدم المعرفة والبُعد عن الحقائق من مصادرها والتي ينشدها الناس، وهي عملية قد تزرع الرهبة، وعدم السكينة بين البشر.

وإذا تعمقنا في تفاصيل حياتنا نجد الكثير منا يضع خطوطاً حمراءَ في حياته لا يمكن أن يتجاوزها هو من جانب، وكذلك الآخرون من جانب آخر سواء في محيط الأسرة أو في شخصه، وكذلك في بيئة العمل نجد أيضا خطوطاً حمراءَ وضعها بروتوكول المؤسسة، أو وضعتها القيم والأعراف من خلال التعامل الراقي مع الآخرين.

وحيث أنَّ هناك خطوطاً حمراءَ، فإن في المقابل هناك خطوطاً خضراءَ في التدخل في حياة الآخر، ولا بد أنْ نعرف متى يُسمح لك بالتدخل في حياة الآخرين من خلال الضوء الأخضر، ومتى تتوقف من خلال اللون الأحمر، ونقصد باللون الأخضر عندما يعطيك الطرف الآخر فسحة للتدخل في أموره الشخصية مثلاً ومن خلال قناعتة الشخصية.

الكل الآن يستخدم مصطلح عدم تجاوز الخطوط الحمراء، وليس الأمر محصوراً في المؤسسات الاقتصادية وحسب؛ فالمعلم يستخدمه مع طلابه في البيئة المدرسية، والوالدان كذلك يستخدمانه كوسيلة تربية في الأسرة بطرق مختلفة مباشرة أو غير مباشرة، والأصدقاء يستخدمونه فيما بينهم لمنع التدخل في خصوصيات الإنسان، وهذه الخطوط الحمراء الموضوعة من قبل البشر قد تتغير، ويمكن أن تتقدم أو تتأخر إلى الوراء، وهذا أمر مرجعه إلى الشخص أو المؤسسة؛ حيث قد يرى شخص بأن عملًا ما يعتبر تجاوزًا للخط الأحمر بينما بعد فترة من الزمن يراها غير ذلك وهكذا.

ومن الأهمية بمكان الالتزام بحدود العَلاقة التي وضعها الآخرون، أو وضعتها تشريعات المؤسسة، وتجنب تخطيها واحترامها، وعدم التدخل فيما لا يعنينا، وهي من العادات السيئة للغاية، وفي الحقيقة؛ فإنَّ احترام الخطوط الحمراء وعدم تجاوزها ممن نتعامل معهم من البشر؛ يجعلنا نعيش سعداء معهم ويجنبنا العديد من الخصومات والمشاكل، ومن أهمِّ هذه الخطوط أحكام ديننا الإسلاميّ الحنيف، واحترام هيبة الدولة ومؤسساتها، وكذلك عدم الانشغال بخصوصيات الناس، وهذا أمر ليس من شيم وتعاليم الإسلام الحنيف.

عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

ومن أقوال الشاعر أحمد شوقي (ما أَوْلَعُ النّاس بالنّاس، يشتَغلُ أحدُهُم بشُؤونِ أخِيه، وفي أيسَرِ شأنِهِ ما يُلْهِيه).

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى