أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

تغيير المناهج التعليمية لتمرير التطبيع..

الإعـلامي/ زاهر بن حارث المحروقي

 

تغيير المناهج التعليمية لتمرير التطبيع*..

 

تابعتُ الضجة المثارة في البحرين حول مسألة تغيير المناهج التعليمية؛ وأستطيع أن أقول: إنّ الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي عهد البحرين ورئيس وزرائها أحسن صُنعًا، عندما أصدر أمرًا لوزير التربية والتعليم بالوقف الفوري لأيّ تغييرات طالت المناهج التعليمية البحرينية «غير المتوافقة مع القيم الوطنية البحرينية، والمتمثلة في حماية الدين، وعدم المساس بثوابته، والتمسك بالإسلام عقيدةً وشريعةً ومنهاجًا، وفق ما ورد في ميثاق العمل الوطني والدستور»؛ فهو بذلك قد أطفأ موجةً من الغضب اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي في البحرين، بسبب تغيير المناهج وتعديلات على الخرائط والأحاديث الشريفة والسيرة النبوية؛ تلك التغييرات التي أكدها ناشطون بحرينيون، والتي تضمنت «إدخال كلمة إسرائيل في الخارطة بدلًا من فلسطين، في كتاب اجتماعيات الصف الأوّل الإعدادي، وحذف درس عن اليهود في كتاب الاجتماعيات الخاصّ بالصف الثالث الإعدادي، وإدخال درس يتحدّث عن اتفاقية التطبيع بين البحرين وإسرائيل».

ولم تقتصر موجة الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل تعدّت ذلك، عندما أصدر العلماء والدعاة بمملكة البحرين بيانًا قالوا فيه : إنهم «تبلغوا ببالغ القلق والأسى ما أقدمت عليه وزارة التربية والتعليم من تغييرات مشبوهة في عدد من المناهج الدراسية المقررة في المدارس الحكومية»، واعتبر العلماء أنّ ذلك يُعدّ «مساسًا جسيمًا غير مسبوق بثوابتنا وقيمنا وانتمائنا، وتغييبًا واضحًا لقضيَّة المسجد الأقصى المبارك أُولى القبلتَين وثالث الحرمين، وهو أمرٌ مرفوضٌ لدينا رفضًا قاطعًا جملةً وتفصيلًا من أيِّ جهة كان».

وإذا كان الأمير سلمان قد شدّد على أنّ «الدين الإسلامي وثوابته غير قابل للمساس به، وواجب الجميع احترامه وحمايته»، فهناك من أثنى على الموقف الذي أبداه ولي العهد البحريني، إلا أنهم رأوا أنّ المشكلة -حسب تعبيرهم- «ليست في تغيير المناهج بل في التطبيع مع الكيان الصهيوني من الأساس».

الاختراقُ الإسرائيليّ للأوطان العربية لم يعد خافيًا، وإذا كانت الشعوب العربية ترفض التطبيع، فإنّ أخطر أنواع الاختراقات يكمن الآن في تغيير المناهج، لأنّ ذلك سوف ينشئ جيلاً خنوعًا تضيع عنه البوصلة، وهو ما فكرت فيه إسرائيل منذ فترة؛ ففي عام 2018، دعت دراسةٌ صادرة عن «مركز أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي إلى إحداث تحوّل جذري في مناهج التعليم والتثقيف في العالم العربي، لضمان تغيير مواقف الرأي العام تجاه إسرائيل، ما «يسهّل» على الحكام العرب اتخاذ قرارات بالتطبيع العلني معها.

وحسب الدراسة، التي أعدّها موشيه يعلون وزير الحرب السابق، والباحثة ليئا فريدمان، فإنه على الرغم من تعاظم مظاهر التعاون السري وتعدد أنماط الشراكات بين تل أبيب والدول العربية، فإنّ أنظمة الحكم العربية تعي في المقابل عمق واتساع معارضة الرأي العام العربي للتطبيع مع إسرائيل، ما يقلص من قدرتها على نقل العلاقة مع تل أبيب من الإطار السري إلى العلني.

ولم تغفل الدراسة إلى الإشارة إلى «أنه حتى نظاما الحكم في مصر والأردن، المرتبطان بعلاقات أمنية واستخبارية وعسكرية قوية مع إسرائيل، فإنهما يحرصان على عدم الإفصاح عن هذه العلاقات»، وذلك خوفًا من المعارضة الشعبية العربية ضد التطبيع.

ويبدو أنّ إسرائيل نجحت حتى الآن في تغيير مناهج بعض الدول العربية التي أعلنت ذلك رسميًا، والأخرى التي غيّرت مناهجها في هدوء دون إعلان؛ فبعد اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية عملت هذه الدول على تقديم منهج تعليمي جديد لطلبتها في المراحل التعليمية المختلفة؛ بهدف تغيير النظرة المألوفة عن «إسرائيل» من دولة محتلة لأرض عربية إلى دولة صديقة، وكلّ ذلك بهدف التطبيع الشعبي، وكما صرح أحد المسؤولين الخليجيين : «نريد أن يشعر الشعب الإسرائيلي بالانتماء، يشعر بالأمن والأمان، يشعر بأنه مكوّن طبيعي من مكونات المنطقة، ويشعر بأنّ له قبولًا».

وقد شهدت المناهج التعليمية في مصر تغييرات جوهرية في طبيعة العلاقة مع الكيان الصهيوني، واستبدلت الأردن عام 2014 اسم فلسطين بـ «إسرائيل» في بعض مناهج التعليم الخاصة بها قبل أن تقوم بسحبها، وفي الجزائر أثار استبدال اسم فلسطين بـ«إسرائيل» في كتاب الجغرافيا للمرحلة المتوسطة، ضجة عارمة وغضبًا شعبيًا على هذا الأمر، رغم الموقف الرسمي الجزائري المشرف ضد التطبيع.

في الواقع فإنّ هذه الدول بتغييرها لمناهجها الدراسية تكون قد ساهمت في إنجاح واحدة من أهم المحاولات الإسرائيلية المستمرة لاختراق الأجيال الجديدة من الشعوب العربية، ولكن السؤال هو : ما مدى نجاح هذا التغيير في عقليات الجيل الجديد مستقبلاً ؟! يرى عمر جعارة الباحث والخبير في الشأن الإسرائيلي «أنّ السلطات المصرية سبقت دول التطبيع الحديثة في ذلك، ولكن الطلبة بعد ما كبروا لم يتأثروا بشكل كبير، وغيّروا من نظرتهم حول إسرائيل».

المفارقة أننا في الوقت الذي نرى فيه تسابق العرب لتغيير مناهجهم الدراسية وتغيير خطابهم الديني والثقافي تجاه إسرائيل، فإننا لم نقرأ عن أية نية لدى الجهات الإسرائيلية لتغيير أيٍّ من المناهج الدراسية الخاصة بالمدارس بعد الاتفاقيات «الإبراهيمية»؛ فهذه المناهج تحمل- وفق رصد «الخليج أونلاين»- مواد تعليمية تحريضية وعدائية تجاه الفلسطينيين والعرب بشكل عام، حيث يعتبر الإسرائيليون في مناهجهم أنّ «العرب محتلون للأرض، والفتح العربي ما هو إلا غزو تاريخي»، كما أنّ هذه المناهج تزرع أفكارًا لدى طلبتها بأنّ «العرب بدو رُحّل، جاؤوا إلى فلسطين على أنهم غزاة، وهدموا حضارة اليهود وعمرانهم»، ومع ذلك لا نجد أحدًا ينتقد المناهج الصهيونية، ولكننا رأينا كيف سعت أمريكا جاهدة لتغيير المناهج الفلسطينية، وكيف استخدم جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، ضغوطاته السياسية والمالية على السلطة الفلسطينية لإجراء تعديلات جوهرية على المناهج الفلسطينية؛ تحت ذريعة أنها «تزرع العنف والحقد»، وتضر بـ «إسرائيل» وأمنها ممّا يشكل خطرًا كبيرًا على التعليم الفلسطيني.

عرف المخططون الإسرائيليون أنّ وصولهم إلى الشعوب العربية لن يتم إلا بتغيير عقليات الناس، ولن يتم ذلك إلا بتغيير المناهج، وقد شاهدتُ لقاء في قناة «الميادين»، ذكر فيه الضيف أنه اطلع على تقرير أمريكي يشير إلى إنّ 70 في المائة من أمن إسرائيل قد تحقّق ليس بفوزها وانتصاراتها العسكرية والسياسية على الدول العربية مجتمعة، ولكن في حدود التغيير والتبديل الثقافي، لذا فإنّ التركيز على تغيير المناهج العربية يبدو أنه سيأخذ أولوية كبرى مستقبلا، وقد يكون ذلك بهدوء دون إثارة أيّ ضجة.

ومهما يكن يبقى أن نقول : إنّ الخلل في العرب وليس في إسرائيل.

 

* تم نشر المقال بموافقة الكاتب ، نقلاً عن جريدة عُـمان عدد الاثنين 22 مايو 2023م..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى