بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

دع القهوة تبرد..

ياسمين عبدالمحسن إبراهيم

المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف وتطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال

في لحظة ما، قد تجد نفسك منهكًا من السباق. من صوت الهاتف الذي لا يتوقف، من الإشعارات التي تتسابق لتجذب انتباهك، من الأسئلة التي لا تنتهي، ومن الإجابات التي لا تملكها أصلًا. في تلك اللحظة بالذات، تذكّر أن من حقك أن تترك القهوة تبرد.

نعم، دعها تبرد. لا ترد على الهاتف. لا تفتح البريد. ضع كلتا يديك في جيبك، وانظر للحياة وهي تمضي من دونك للحظة. لا بأس إن لم تركض خلف كل شيء. لا بأس إن راقبت الفرص وهي تمر أمامك دون أن تمد يدك لالتقاطها. ليست كل فرصة تستحق المغامرة، وليست كل لحظة يجب أن تكون فيها على أهبة الاستعداد.

أحيانًا، ما نحتاجه ليس التفاعل، بل التراجع. ليس القرار، بل المراقبة. ليس الإنجاز، بل التأمل. دع القلق يأخذ منك ما يشاء. لا تقاومه. سيأتي، كما يأتي الليل بعد النهار. سيأخذ منك وقتًا، راحة، وربما نومًا، لكنه لن يأخذك كاملًا إن لم تسمح له. القلق ليس عدوًا، بل زائرٌ عابر، يذكّرك أنك بشر.

اقترب مما تخاف. تلك الفكرة التي طالما أجلتها، تلك المواجهة التي أرجأتها، الخوف الذي كبّرته في رأسك حتى صار وحشًا… اقترب منه. انظر إليه في عينيه. اكتشف أنه ليس بذلك الحجم الذي ظننته. أحيانًا، الخوف مجرد ظل… يزول عندما تُشعل داخلك قليلًا من نور الحقيقة.

رحِّب بفكرة أن ليس كل شيء سيكون على ما يرام. هذه الحقيقة التي نهرب منها، ربما تكون بداية حريتنا. أن نقبل أن الخسارات واردة، أن التخبط جزء من المسار، أن الغموض لا يقل أهمية عن الوضوح… هذا القبول يحررنا من وهم المثالية.

“لا شيء يهم إذا ابتعدت عنه مسافة كافية، لا شيء يهم الآن.”
قد تبدو عبارة سوداوية للوهلة الأولى، لكنها ليست كذلك. إنها دعوة لفهم النسبية. الأشياء التي تملأ صدرك بالضيق الآن، والتي تؤرقك وتُثقلك، حين تبتعد عنها قليلًا، تتغير. تتضاءل. ربما تضحك عليها لاحقًا، وربما لا تتذكرها أصلًا.

الابتعاد لا يعني التخلي، بل يعني إعادة التقدير. حين تبتعد، ترى المشهد كاملًا، لا من زاويتك الضيقة فقط. حين تبتعد، تدرك أن ليس كل ما بدا كبيرًا كان يستحق كل ذلك الانفعال. تدرك أنك، في قلبك، أوسع من كل ما يحدث حولك.

خذ وقتك. خذ مسافتك؛ لا تنسَ أن الحياة ليست سباقًا مستمرًا؛ بل فصول تتوالى؛ بعضها للركض، بعضها للتأمل، بعضها للفرص، بعضها للراحة، وبعضها فقط لبعضها؛ نحتاج أن نترك القهوة تبرد .. ونراقب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى