أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

تسعة أعشار التربية في التغافل..

الدكتـور/ محمـد بن ناصر الصَّـوّافي

 

تسعة أعشار التربية في التغافل..

 

يقول أبو تمام :

ليسَ الغبيُّ بِسيِّدٍ في قومِه *** لكنَّ سيِّدَ قومِه المتَغَابِي

وقد ورد عن معاوية بن أبي سفيان : “العقلُ مكيال : ثلثُه فطنةٌ، وثلثَاه تغافلٌ”، وقد قيل قديمًا : «تسعة أعشار حُسْن الخلق في التغافل».

التغافل هو غض الطرف، وتعمّد الغفلة، والتغاضي عن أخطاء الآخرين، لا سيما مع من نرجو منهم البر والمودة والخير، مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه؛ تكرما وعلوًا عن سفاسف الأمور ونقائصها.

ومن أسمى من نرجو منهم البر والمودة والخير في الدارين الأبناء؛ ولذا كان هذا الخلق الفاضل من أرقى الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المربي الناجح، فإذا جعل هذا المربي كل خطأ وزلل صدر من فلذة كبده وحشاه فواده نصب عينيه لتعبَ وأتعبَ.

ففي كثير من الأوقات لا يتعمد الأبناء مخالفة أوامرنا، والتظاهر بالصمم لنصائحنا، ولكنهم وهم يخوضون غمار هذه الحياة ويختبرونها، ويجربون قدراتهم، قد يقع منهم الخطأ والزلل؛ بسب المرحلة العمرية التي يمرون بها وطبيعتها ومتطلباتها، فيكون الأمر خارجًا عن سيطرة الطفل.

فالتربية عن طريق التغافل هو مختلف عن الغفلة، فهو فن أو أسلوب يستخدم في وقت ويترك في وقت آخر، ويصرح المربي ببعض الهفوات ويعالجها، ويترك الأخرى؛ كي تصل الرسالة إلى الابن، ويعدل سلوكه. 

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما أهمية تَخَلُّق الآباء بهذا الخُلُق في التربية؟؟..

أسلوب التغافل يتيح الفرصة لدى الابن لمراجعة أخطائه، وبالتي هي فرصة للتراجع والمراجعة، والتركيز على الإيجابيات فقط من جانب الآباء، وتغليب لغة التشجيع والترغيب عن لغة البحث بالعدسة المكبرة عن الأخطاء والزلات.

كما يُشعر هذا الأسلوب الابن بالمكانة والقدر فهو إنسان جلب على النقص وليس الكمال، فعن طريق المحاولة والخطأ يتعلم، وبهما يكتسب العلوم ويصقل مواهبه وقدراته.

بالإضافة إلى ما سبق يمنح هذا الأسلوب المربيَ الوقت الكافي للتفكير المتأني حول المشكلة من جميع أطرافها وجذورها، ويجعل الجو العام داخل البيت جوًا إيجابيًا، بلا مثاليه مبالغ فيها أو بحث عن الكمال.

وهنا نقدم بعض النصائح حول تطبيق خُلُق التغافل عند التعامل مع الأبناء:

1. أبعد نظرك وجسدك عن الإبن حين قيامه بالسلوك السيئ، مع إخفاء مشاعر غضبك واستيائك عنه في تلك اللحظة.

2. إثنِ وامتدح السلوك الحسن؛ كي يكون سلوكًا بديلاً للسلوك السيء الذي قمنا بالتغافل عنه، فالثناء يشعر الطفل بالأمان ويخرج منه كل خلق وسلوك حسن.

3. خلق التغافل مهارة تكتسب بالتدريب : فالعلم يكتسب بالتًّعَلُّم والحلم بالتَّحَمُّل، فلكي نكتسب هذا الخلق نحتاج إلى دربة ومهارة مع مراعاة الصبر والحلم.

4. ينصح بتجاهل التصرف والسلوك الخاطئ لا تجاهل الإبن، فللأبناء حاجاتهم النفسية ولا يستغنون عنها، لاسيما في مواطن الإحباطات والضعف.

5. لا تتجاهل كل السلوكيات : فهناك بعض السلوكيات التي لا تغتفر في حينها، ويجب على المربي الحاذق التدخل الفوري، كالسلوكيات المتعلقة بأمن الطفل وسلامته، مثل أن تكون السكين في يده، أو المواقف التي يتعدى بها حدوده ويتجاوز حدود غيره، والسلوكيات المحرمة ديناً، والسلوك المخالف للقانون.

6. من الجميل أن يتثقف المربي ببعض خصائص المرحلة العمرية التي يمر بها طفله : فحين نتعامل مع ابننا المراهق مثلًا نعرف طبيعة هذه المرحلة من حيث الحساسية المفرطة والنفس القلقة المتحيرة، فهذا يجرنا أكثر لتطبيق خلق التغافل معهم.

وفي الختام يقول البروفسور حمود القشعان الباحث الاجتماعي وعميد الشؤون الأكاديمية والدراسات العليا في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت : “إن تسعة أعشار التربية في التغافل، كما أن تسعة أعشار النجاح بالتربية في التشجيع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى